responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 450
لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ، أُجِيبُوا بقوله: وَمَعْنَاهَا: تَمَسُّكُمُ النَّارُ. وَالْمَعْنَى عَلَى التَّأْبِيدِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالْخُلُودِ. مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً مَنْ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شرطية، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً، وَالْمُسَوِّغَاتُ لِجَوَازِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ، إِذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ مَوْصُولًا، مَوْجُودَةٌ هُنَا، وَيُحَسِّنُهُ الْمَجِيءُ فِي قسيمة بِالَّذِينَ، وَهُوَ مَوْصُولٌ. وَالسَّيِّئَةُ: الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: الْمُوجِبَةُ لِلنَّارِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَعَلَيْهِ تَفْسِيرُ مَنْ فَسَّرَ السَّيِّئَةَ بِالْكَبَائِرِ، لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُوجِبُ النَّارَ، أَيْ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا النَّارَ إِنْ لَمْ تُغْفَرْ لَهُ.
وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ: قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْإِفْرَادِ، وَنَافِعٌ: خَطِيئَاتُهُ جَمْعَ سَلَامَةٍ، وَبَعْضُ الْقُرَّاءِ: خَطَايَاهُ جَمْعَ تَكْسِيرٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَخَذَتْهُ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهِ. وَمَعْنَى الْإِحَاطَةِ بِهِ أَنَّهُ يُوَافَى عَلَى الْكُفْرِ وَالْإِشْرَاكِ، هَذَا إِذَا فُسِّرَتِ الْخَطِيئَةُ بِالشِّرْكِ. وَمَنْ فَسَّرَهَا بِالْكَبِيرَةِ، فَمَعْنَى الْإِحَاطَةِ بِهِ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ الْخُلُودُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةُ، لَا إِلَى انْتِهَاءٍ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةُ دَهْرًا طَوِيلًا، إِذْ مَآلُهُ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَوْثَقَتْهُ ذُنُوبُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحْبَطَتْ حَسَنَاتِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غَشِيَتْ قَلْبَهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَصَرَّ عَلَيْهَا. وَقَالَ الرَّبِيعُ: مَاتَ عَلَى الشِّرْكِ. قَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ فَهُوَ الْخَطِيئَةُ الْمُحِيطَةُ. وَمَنْ، كَمَا تَقَدَّمَ، لَهَا لَفْظٌ وَمَعْنًى، فَحَمَلَ أَوَّلًا عَلَى اللَّفْظِ، فَقَالَ: مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَحَمَلَ ثَانِيًا عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَأُولئِكَ، إِلَى آخِرِهِ. وَأَفْرَدَ سَيِّئَةً لِأَنَّهُ كَنَّى بِهِ عَنْ مُفْرَدٍ، وَهُوَ الشِّرْكُ. وَمَنْ أَفْرَدَ الْخَطِيئَةَ أَرَادَ بِهَا الْجِنْسَ وَمُقَابَلَةَ السَّيِّئَةِ، لِأَنَّ السَّيِّئَةَ مُفْرَدَةٌ، وَمَنْ جَمَعَهَا فَلِأَنَّ الْكَبَائِرَ كَثِيرَةٌ، فَرَاعَى الْمَعْنَى وَطَابَقَ بِهِ اللَّفْظَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ السَّيِّئَةَ وَالْخَطِيئَةَ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ الْخَطِيئَةَ وَصْفٌ لِلسَّيِّئَةِ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: السَّيِّئَةُ الْكُفْرُ، وَالْخَطِيئَةُ مَا دُونَ الْكُفْرِ مِنَ الْمَعَاصِي، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَأَبُو وَائِلٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الْخَطِيئَةَ الشِّرْكُ، وَالسَّيِّئَةُ هُنَا مَا دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الْمَعَاصِي. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ تِلْكَ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ، كَمَا يُحِيطُ العدو، ولم ينقص عَنْهَا بِالتَّوْبَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا مِنْ دَسَائِسِهِ الَّتِي ضَمَّنَهَا كِتَابَهُ، إِذِ اعْتِقَادُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً، وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا، وَمَاتَ، كَانَ خَالِدًا فِي النَّارِ.
وَفِي قَوْلِهِ: أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ: الْكُفَّارُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَلَا يَمُوتُونَ وَلَا يَحْيَوْنَ» .
وَقَدْ رُتِّبَ كَوْنُهُمْ أَصْحَابَ النَّارِ عَلَى وُجُودِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا، كَسْبُ السَّيِّئَةِ، وَالْآخَرُ: إِحَاطَةُ الْخَطِيئَةِ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 450
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست