responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 423
تَعَالَى، وَالتَّسْلِيمَ لِأَقْضِيَتِهِ، فَصَدَرَ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ غِلَظِ الْقُلُوبِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهَا، بِمَا شَاهَدَتْ، وَالتَّعَنُّتِ وَالتَّكْذِيبِ، حتى نقل أنهم بعد ما حَيِيَ الْقَتِيلُ، وَأَخْبَرَ بِمَنْ قَتَلَهُ قَالُوا:
كَذَبَ. وَالضَّمِيرُ فِي قُلُوبُكُمْ ضَمِيرُ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُ، وَأَنْكَرُوا قَتْلَهُ. وَقِيلَ: قُلُوبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعًا قَسَتْ بِمَعَاصِيهِمْ وَمَا ارْتَكَبُوهُ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُ.
وَكَنَّى بِالْقَسْوَةِ عَنْ نُبُوِّ الْقَلْبِ عَنِ الِاعْتِبَارِ، وَأَنَّ الْمَوَاعِظَ لَا تَجُولُ فِيهَا. وَأَتَى بِمِنْ فِي قَوْلِهِ:
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إِشْعَارًا بِأَنَّ الْقَسْوَةَ كَانَ ابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ الْخَارِقِ، وَلَكِنَّ الْعَطْفَ بِثُمَّ يَقْتَضِي الْمُهْلَةَ، فَيَتَدَافَعُ مَعْنَى ثُمَّ، وَمَعْنَى مِنْ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَجَوُّزٍ فِي أَحَدِهِمَا.
وَالتَّجَوُّزُ فِي ثُمَّ أَوْلَى، لِأَنَّ سَجَايَاهُمْ تَقْتَضِي الْمُبَادَرَةَ إِلَى الْمَعَاصِي بِحَيْثُ يُشَاهِدُونَ الْآيَةَ الْعَظِيمَةَ، فَيَنْحَرِفُونَ إِثْرَهَا إِلَى الْمَعْصِيَةِ عِنَادًا وَتَكْذِيبًا، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ قِيلَ: إِلَى إِحْيَاءِ الْقَتِيلِ، وَقِيلَ: إِلَى كَلَامِ الْقَتِيلِ، وَقِيلَ: إِشَارَةٌ إِلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْآيَاتِ مِنْ مَسْخِهِمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَرَفْعِ الْجَبَلِ، وَانْبِجَاسِ الْمَاءِ، وَإِحْيَاءِ الْقَتِيلِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ.
فَهِيَ كَالْحِجارَةِ: يُرِيدُ فِي الْقَسْوَةِ. وَهَذِهِ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ حُكِمَ فِيهَا بِتَشْبِيهِ قُلُوبِهِمْ بِالْحِجَارَةِ، إِذِ الْحَجَرُ لَا يَتَأَثَّرُ بِمَوْعِظَةٍ، وَيَعْنِي أَنَّ قُلُوبَهُمْ صُلْبَةٌ، لَا تُخَلْخِلُهَا الْخَوَارِقُ، كَمَا أَنَّ الْحَجَرَ خُلِقَ صُلْبًا. وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اعْتِيَاصَ قُلُوبِهِمْ لَيْسَ لِعَارِضٍ، بَلْ خُلِقَ ذَلِكَ فِيهَا خَلْقًا أَوَّلِيًّا، كَمَا أَنَّ صَلَابَةَ الْحَجَرِ كَذَلِكَ. وَالْكَافُ الْمُفِيدَةُ مَعْنَى التَّشْبِيهِ: حَرْفٌ وَفَاقًا لِسِيبَوَيْهِ وَجُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ، خِلَافًا لِمَنِ ادَّعَى أَنَّهَا تَكُونُ اسْمًا فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ عَنِ الْأَخْفَشِ. فَتَعَلُّقُهُ هُنَا بِمَحْذُوفٍ، التَّقْدِيرُ: فَهِيَ كَائِنَةٌ كَالْحِجَارَةِ، خِلَافًا لِابْنِ عُصْفُورٍ، إِذْ زَعَمَ أَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ، وَدَلَائِلُ ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْحِجَارَةِ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ. وَجُمِعَتِ الْحِجَارَةُ وَلَمْ تُفْرَدْ، فَيُقَالَ كَالْحَجْرِ، فَيَكُونَ أَخْصَرَ، إِذْ دَلَالَةُ الْمُفْرَدِ عَلَى الْجِنْسِ كَدَلَالَةِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ قُوبِلَ الْجَمْعُ بِالْجَمْعِ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ جَمْعٌ، فَنَاسَبَ مُقَابَلَتَهُ بِالْجَمْعِ، وَلِأَنَّ قُلُوبَهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْقَسْوَةِ، كَمَا أَنَّ الْحِجَارَةَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الصَّلَابَةِ. فَلَوْ قِيلَ: كَالْحَجَرِ، لَأَفْهَمَ ذَلِكَ عَدَمَ التَّفَاوُتِ، إِذْ يُتَوَهَّمُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ ذَلِكَ.
أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، أَوْ: بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَوْ بِمَعْنَى أَوْ لِلْإِبْهَامِ، أَوْ لِلْإِبَاحَةِ، أَوْ لِلشَّكِّ، أَوْ لِلتَّخْيِيرِ، أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، أَقْوَالٌ: وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ مَثَلًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي، وَالْأَحْسَنُ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ.
وَكَأَنَّ قُلُوبَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: قُلُوبٌ كَالْحِجَارَةِ قَسْوَةً، وَقُلُوبٌ أشد قسوة من الحجارة، فَأَجْمَلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، ثُمَّ فَصَّلَ وَنَوَّعَ إِلَى مُشَبَّهٍ بِالْحِجَارَةِ، وَإِلَى أَشَدَّ مِنْهَا،

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 423
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست