responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 397
فِي السَّبْتِ: مُتَعَلِّقٌ بِاعْتَدَوْا، إِمَّا عَلَى إِضْمَارِ يَوْمَ، أَوْ حُكْمٌ. وَالْحَامِلُ عَلَى الِاعْتِدَاءِ قِيلَ:
الشَّيْطَانُ وَسْوَسَ لَهُمْ وَقَالَ: إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَخْذِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَمْ تُنْهَوْا عَنْ حَبْسِهَا، فَأَطَاعُوهُ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، ولم يجعل لَهُ عُقُوبَةٌ، وَتَشَبَّهَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْهُمْ، وَفَعَلُوا لِفِعْلِهِ، ظَنُّوا أَنَّ السَّبْتَ قَدْ أُبِيحَ لَهُمْ، فَتَمَالَأَ عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ كَبِيرٌ، فَأَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ. وَقِيلَ: أَقْدَمُوا عَلَى ذَلِكَ مُتَأَوِّلِينَ، لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ الْعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَقَالُوا:
إِنَّمَا نَهَانَا اللَّهُ عَنْ أَسْبَابِ الِاكْتِسَابِ الَّتِي تَشْغَلُنَا عَنِ الْعِبَادَةِ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ.
وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ أوباشهم تحريا وَعِصْيَانًا، فَعَمَّ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِالْعَذَابِ.
فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا: أَمْرٌ مِنَ الْكَوْنِ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ حَقِيقَةً، لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُمْ إِلَى مَا ذُكِرَ لَيْسَ فِيهِ تَكَسُّبٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا قَادِرِينَ عَلَى قَلْبِ أَعْيَانِهِمْ قِرَدَةً، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ سُرْعَةُ الْكَوْنِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [1] ، وَمَجَازُهُ: أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ مِنْهُمْ ذَلِكَ صَارُوا كَذَلِكَ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ مَسْخُهُمْ قِرَدَةً.
وَقِيلَ: لَمْ يُمْسَخُوا قِرَدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً [2] ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ حَتَّى صَارَتْ كَقُلُوبِ الْقِرَدَةِ، لَا تَقْبَلُ وَعْظًا وَلَا تَعِي زَجْرًا، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبْقِيَ اللَّهُ لَهُمْ فَهْمَ الْإِنْسَانِيَّةِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِمْ قِرَدَةً.
وَرُوِيَ فِي بَعْضِ قَصَصِهِمْ: أَنِ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَانَ يَأْتِيهِ الشَّخْصُ مِنْ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ نَهَوْهُمْ فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أَنْهَكَ؟
فَيَقُولُ لَهُ بِرَأْسِهِ: بَلَى، وَتَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي هَذَا الْمَسْخِ شَيْءٌ مِنْهُمْ خَنَازِيرُ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ الشَّبَابَ صَارُوا قِرَدَةً، وَالشُّيُوخَ صَارُوا خَنَازِيرَ، وَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نُهُوا، وَهَلَكَ سَائِرُهُمْ.
وَرُوِيَ فِي قَصَصِهِمْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ الْعَاصِينَ قِرَدَةً بِاللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّاجُونَ إِلَى مَسَاجِدِهِمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ، فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا مِنَ الْهَالِكِينَ، فَقَالُوا:
إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا، فَفَتَحُوا عَلَيْهِمُ الْأَبْوَابَ، كَمَا كَانَتْ مُغْلَقَةً بِاللَّيْلِ، فَوَجَدُوهُمْ قِرَدَةً يَعْرِفُونَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ.
وَقِيلَ: إِنِ النَّاجِينَ قَدْ قَسَمُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَاصِينَ الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ تَبَرِّيًا مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا وَلَمْ تُفْتَحْ مَدِينَةُ الْهَالِكِينَ، فَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْجِدَارَ، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ يَثِبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ قَتَادَةُ: وَصَارُوا قِرَدَةً تعاوي، لها أذناب، بعد ما كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً.
قِرَدَةً خاسِئِينَ: كِلَاهُمَا خَبَرُ كَانَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَكُونُونَ قَدْ جمعوا بين القردة

[1] سورة النحل: 16/ 40.
[2] سورة الجمعة: 62/ 5.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 397
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست