responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 394
ادْرُسُوا أَلْفَاظَهُ وَتَدَبَّرُوا مَعَانِيَهُ. أَوْ أُرِيدَ بِالذِّكْرِ: ثَمَرَتُهُ، وَهُوَ الْعَمَلُ، فَمَعْنَاهُ: اعْمَلُوا بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ. وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ يَعُودُ عَلَى مَا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يُحْمَلُ عَلَى نَفْسِ الذِّكْرِ، لِأَنَّ الذِّكْرَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَيْفَ يَجُوزُ الْأَمْرُ بِهِ؟
انْتَهَى.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: أَيْ رَجَاءَ أَنْ يَحْصُلَ لَكُمُ التَّقْوَى بِذِكْرِ مَا فِيهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَعَلَّكُمْ تَنْزِعُونَ عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ. وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّهُمُ امْتَثَلُوا الْأَمْرَ وَفَعَلُوا مُقْتَضَاهُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَالِالْتِزَامِ لِمَا أُمِرُوا بِهِ. وَفِي بَعْضِ الْقَصَصِ أَنَّهُمْ قَالُوا، لَمَا زَالَ الْجَبَلُ: يَا مُوسَى، سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَلَوْلَا الْجَبَلُ مَا أَطَعْنَاكَ. وَفِي بَعْضِ الْقَصَصِ: فَآمَنُوا كَرْهًا، وَظَاهِرُ هَذَا الْإِلْجَاءُ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهُمُ الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ فِي قُلُوبِهِمْ وَقْتَ السُّجُودِ، حَتَّى كَانَ إِيمَانُهُمْ طَوْعًا لَا كَرْهًا.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: أَيْ أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْمِيثَاقِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ، وَأَصْلُ التَّوَلِّي: أَنْ يَكُونَ بِالْجِسْمِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْأُمُورِ وَالْأَدْيَانِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ، اتِّسَاعًا وَمَجَازًا. وَدُخُولُ ثُمَّ مشعر بالمهلة، ومن تُشْعِرُ بِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ. لَكِنْ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ كَلَامٌ مَحْذُوفٌ، التَّقْدِيرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَأَخَذْتُمْ مَا آتَيْنَاكُمْ، وَذَكَرْتُمْ مَا فِيهِ، وَعَمِلْتُمْ بِمُقْتَضَاهُ.
فَلَا بُدَّ مِنِ ارْتِكَابِ مجاز فِي مَدْلُولِ مَنْ، وَأَنَّهُ لِسُرْعَةِ التَّوَلِّي مِنْهُمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ مَا أُمِرُوا بِهِ وَبَيْنَ التَّوَلِّي شَيْءٌ. وَقَدْ علم أنهم بعد ما قَبِلُوا التَّوْرَاةَ، تَوَلَّوْا عَنْهَا بِأُمُورٍ، فَحَرَّفُوهَا، وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهَا، وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ، وَكَفَرُوا بِاللَّهِ، وَعَصَوْا أَمْرَهُ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا اخْتُصَّ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَمَا عَمِلَهُ أَوَائِلُهُمْ، وَمَا عَمِلَهُ أَوَاخِرُهُمْ. وَلَمْ يَزَالُوا فِي التِّيهِ، مَعَ مُشَاهَدَتِهِمُ الْأَعَاجِيبَ، يُخَالِفُونَ مُوسَى، وَيُظَاهِرُونَ بِالْمَعَاصِي فِي عَسْكَرِهِمْ، حَتَّى خُسِفَ بِبَعْضِهِمْ، وَأَحْرَقَتِ النَّارُ بَعْضَهُمْ، وَعُوقِبُوا بِالطَّاعُونِ، وَكُلُّ هَذَا مَذْكُورٌ فِي تَرَاجِمِ التَّوْرَاةِ الَّتِي يَقْرَأُونَ بِهَا، ثُمَّ فَعَلَ سَاحِرُوهُمْ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، حَتَّى عُوقِبُوا بِتَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَفَرُوا بِالْمَسِيحِ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ، وَالْقُرْآنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانُ مَا تَوَلَّوْا بِهِ عَنِ التَّوْرَاةِ.
فَالْجُمْلَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَذَلِكَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَسْلَافِهِمْ. فَغَيْرُ عَجِيبٍ إِنْكَارُهُمْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَالُهُمْ فِي كِتَابِهِ مَا ذَكَرَ. والإشارة بذلك فِي قَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إِلَى قَبُولِ مَا أُوتُوهُ، أَوْ إِلَى أَخْذِ الْمِيثَاقِ وَالْوَفَاءِ بِهِ، وَرَفْعِ الْجَبَلِ، أَوْ خُرُوجِ مُوسَى مِنْ بَيْنِهِمْ، أَوِ الْإِيمَانِ، أَقْوَالٌ.

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 394
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست