responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 208
إِعَادَتِهِ هُنَا. وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَبِيرَةُ نَوْعًا مِنَ الْبَدِيعِ يُسَمِّيهِ أَرْبَابُ الْبَيَانِ: بِالطِّبَاقِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ، وَوَقَعَ هُنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَعُوضَةً فَما فَوْقَها، فَإِنَّهُمَا دَلِيلَانِ عَلَى الْحَقِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَفِي قَوْلِهِ: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، وَفِي قَوْلِهِ: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ. وَجَاءَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مُنَاسَبَةُ الطِّبَاقِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ أَوَّلٍ مِنْهَا كَائِنٌ بَعْدَ مُقَابِلِهِ، فَالضَّلَالُ بَعْدَ الْهِدَايَةِ
لِقَوْلِهِ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ
، وَلِدُخُولِ أَوْلَادِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْجَنَّةَ إِذَا مَاتُوا قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَالنَّقْضُ بَعْدَ التَّوْثِقَةِ، وَالْقَطْعُ بَعْدَ الْوَصْلِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ تَنَاسَبَتْ فِي الطِّبَاقِ. وَفِي وَصْلِ الَّذِينَ بِالْمُضَارِعِ وَعَطْفِ الْمُضَارِعَيْنِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى تَجَدُّدِ النَّقْضِ وَالْقَطْعِ وَالْإِفْسَادِ، وَإِشْعَارٌ أَيْضًا بِالدَّيْمُومَةِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الذَّمِّ، وَبِنَاءُ يُوصَلُ لِلْمَفْعُولِ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ بنائه للفاعل، لأنه يشتمل مَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَنْ يَصِلُوهُ أَوْ يَصِلَهُ غَيْرُهُمْ.
وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الصِّلَاتِ فِي غَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَدَأَ أَوَّلًا بِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَهُوَ أَخَصُّ هَذِهِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ ثَنَّى بِقَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِوَصْلِهِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ أَتَى ثَالِثًا بِالْإِفْسَادِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقَطْعِ، وَكُلُّهَا ثَمَرَاتُ الْفِسْقِ، وَأَتَى بِاسْمِ الْفَاعِلِ صِلَةً لِلْأَلِفِ وَاللَّامِ لِيَدُلَّ عَلَى ثُبُوتِهِمْ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، فَيَكُونُ وَصْفُ الْفِسْقِ لَهُمْ ثَابِتًا، وَتَكُونُ النَّتَائِجُ عَنْهُ مُتَجَدِّدَةً مُتَكَرِّرَةً، فَيَكُونُ الذَّمُّ لَهُمْ أَبْلَغَ لِجَمْعِهِمْ بَيْنَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ وَتَجَدُّدِ فُرُوعِهِ وَنَتَائِجِهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَوْصَافَ الْفَاسِقِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ، أَيْ: أُولَئِكَ الْجَامِعُونَ لِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ مِنَ النَّقْضِ وَالْقَطْعِ وَالْإِفْسَادِ.
هُمُ الْخاسِرُونَ: وَفُسِّرَ الْخَاسِرُونَ بَالنَّاقِصِينَ حُظُوظَهُمْ وَشَرَفَهُمْ، وَبِالْهَالِكِينَ، وَسَبَبُ خُسْرَانِهِمُ اسْتِبْدَالُهُمُ النَّقْضَ بِالْوَفَاءِ، وَالْقَطْعَ بِالْوَصْلِ، وَالْإِفْسَادَ بِالْإِصْلَاحِ، وَعِقَابَهَا بِالثَّوَابِ، وَقِيلَ: الْخَاسِرُونَ الْمَغْبُونُونَ بِفَوْتِ الْمَثُوبَةِ وَلُزُومِ الْعُقُوبَةِ وَقِيلَ: خَسِرُوا نَعِيمَ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: خَسِرُوا حَسَنَاتِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا، أَحْبَطُوهَا بِكُفْرِهِمْ. وَالْآيَةُ فِي الْيَهُودِ، وَلَهُمْ أَعْمَالٌ فِي شَرِيعَتِهِمْ وَفِي الْمُنَافِقِينَ، وَهُمْ يَعْمَلُونَ فِي الظَّاهِرِ عَمَلَ الْمُخْلِصِينَ. قَالَ الْقَفَّالُ: الْخَاسِرُ اسْمٌ عَامٌّ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا يُجْزَى عَلَيْهِ. كَيْفَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنْ حَالٍ، وَصَحِبَهُ مَعْنَى التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ، فَخَرَجَ عَنْ حَقِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ.
وَقِيلَ: صَحِبَهُ الْإِنْكَارُ وَالتَّعَجُّبُ، أَيْ إِنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنَ الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ وَالتَّصَرُّفِ التَّامِّ وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهِ آخِرًا فَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، لَا يَلِيقُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ. وَالْإِنْكَارُ بِالْهَمْزَةِ إِنْكَارٌ لِذَاتِ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 208
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست