على القتال، وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، ونهى عن الإسراع في الفرار، ورغب في إنفاق الأموال في الذب عن المسلمين وبلادهم وأموالهم، وأن ما ينفق في أجرة الهرب إذا أنفق في سبيل الله كان خيرا، وأوجب جهاد التتر حتما في هذه الكرة وتابع المجالس في ذلك، ونودي في البلاد: لا يسافر أحد إلا بمرسوم وورقة، فتوقف الناس عن السير، وسكن جأشهم، وتحدث الناس بخروج السلطان من القاهرة بالعسكر ودقت البشائر لخروجه، لكن كان قد خرج جماعة من بيوتات دمشق كبيت ابن صعرى، وبيت ابن فضل الله، وابن منجا، وابن سويد، وابن الزملكاني، وابن جماعة " [1] ، ثم أرجف في ربيع الآخر بأمر التتر، وأن السلطان رجع إلى مصر فاشتد ذلك على الناس، وخرج الناس خفافا وثقالا هابين من المدينة وقد اشتدت الحال مع كثرة الأمطار والوحل والبرد، فذهب ابن تيمية إلى نائب الشام في المرج فثبتهم وقوى جأشهم، وبات عندهم فانتدبوه أن يذهب إلى السلطان يستحثه على المجيء، فسار إليه فلم يدركه إلا وقد دخل القاهرة، وتفرق الجند، لكن ابن تيمية قابل السلطان واستحثه على تجهيز العساكر إلى الشام وقال لهم: " إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن، ولم يزل بهم حتى جردت العساكر إلى الشام" [2] ، وأقام ابن تيمية بقلعة مصر ثمانية أيام يحثهم على الجهاد فأجابوه ثم رجع إلى الشام، ثم جاءت الأخبار إلى الشام أن التتار رجعوا فأمن الناس وسكن جأشهم.
4- في سنة 752 هـ كانت وقعة شقحب التي هزم فيها التتار وكان لابن تيمية دور عظيم فيها [3] . [1] البداية والنهاية (14/14) . [2] المصدر السابق (14/15) ، وانظر: العقود (ص: 119) ، والكواكب (ص: 95) ، والرد الرافر (ص: 106) ، والدرر الكامنة (1/162) . [3] انظر: العقود (ص: 175) ، والبداية والنهاية (14/25) ، والكواكب (ص: 96) ، وبدائع الزهور (1/1/413) ، والسلوك (1/923) ، والوثائق السياسية لعهد المماليك (ص: 86) .