يأذن الله بالشفاعة إلا عند رضاه عن المشفوع له، والله لا يرضى عن المشركين الذين قامت عليهم الحجة بدعوة التوحيد، فلم يستجيبوا {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 1.
حكمها:
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: "مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ووجودها سمعاً بصريح قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} 2.
وقوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} 3 وأمثالهما ويخبر الصادق صلى الله عليه وسلم وقد جاءت الآثار والتي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنة عليها، ومنعت الخوارج والمعتزلة، وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 4 وبقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} 5 وهذه الآيات في الكفار، وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار" اهـ6.
قال القاضي عبد الجبار عند قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} 7. يدل على أن من استحق العقاب لا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينصره لأن الآية وردت في صفة اليوم ولا تخصيص فيها فلا يمكن صرفها إلى الكفار دون أهل الثواب وهي واردة فيمن يستحق العذاب في ذلك اليوم لأن هذا الخطاب لا يليق إلا بهم فليس لأحد أن يطعن على ما قلناه بأن يمنع
1- سورة المائدة آية: 72.
2- سورة طه آية: 109.
3- سورة الأنبياء آية: 28.
4- سورة المدثر آية: 48.
5- سورة غافر آية: 18.
6- نقلاً عن شرح النووي على صحيح مسلم 3/55.
7- سورة البقرة آية: 48.