والذي أوقع عباد الأصنام، وعباد القبور في طلب الشفاعة من غير الله ـ تعالى ـ هو قياسهم الخالق على المخلوق حيث قاسوه ـ تعالى ـ على الملوك والعظماء في هذه الدنيا حيث يتخذ الشخص من المقربين لديهم من يشفع له عندهم في قضاء الحوائج فهذا هو القياس الفاسد الذي بنى عليه المشركون عبادتهم للأصنام، واتخذوا من دونه الشفعاء والأولياء وهذا من جهلهم بالفارق بين الخالق والمخلوق"1.
الذي يجب على كل مسلم معرفته. فهناك فرق بين الشفاعة عند المخلوقين والشفاعة عنده ـ تعالى ـ ذلك أن الوسائط التي تكون بين الملوك وبين الناس تكون على أحد الوجوه التالية:
الوجه الأول:
أن العظماء من أهل الدنيا بحاجة إلى من يخبرهم بأحوال الناس ما لا يعرفونه، ومن زعم أن الله لا يعلم أحوال الناس حتى يخبره بذلك بعض الأنبياء، أو غيرهم من الملائكة والأولياء والصالحين فهو كافر به ـ سبحانه ـ لأنه ـ جل وعلا ـ يعلم السر وأخفى ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
الوجه الثاني:
إن العظماء من أهل الدنيا عاجزون عن تدبير رعيتهم ودفع أعدائهم إلا بأعوان يعاونونهم، وأنصار يكونون مستنداً لهم عند الذلة والعجز، أما الله ـ جل وعلا ـ ليس له ظهير، ولا ولي من الذل، وكل ما في الوجود من الأسباب فهو ـ سبحانه ـ ربه وخالقه وهو الغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم والله ـ سبحانه ـ لا شريك له في الملك، بل لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، ولهذا لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهما، فإن من شفع عنده بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب أثَّر فيه بشفاعته حتى يفعل ما يطلب منه، والله تعالى لا شريك له بوجه من الوجوه.
1- انظر إغاثة اللهفان 1/221 بتصرف.