{قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} فإذا ثبت هذا الأصل لم يلتفت العاقل إلى تخويف المشركين فكان المقصود من هذه الآية هو التنبيه على الجواب فما ذكره الله تعالى قبل هذه الآية وهو قوله ـ تعالى ـ {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أ. هـ1.
ومما تقدم يتبين لنا أن المشركين لو حكموا عقولهم في شأن أصنامهم لعرفوا أن تخويفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بها لا قيمة له ولا معنى، إذ هم يعلمون أنها لا تقدر على جلب النفع ولا تدفع الضر بحال ولذلك جاء الوحي الإلهي بأنه لا كافي إلا الله، ولا قادر على كل شيء سواه، ولا عالم بكل شيء غيره، وبذلك كان التوكل على غير الله باطلاً وشركاً فالسورة بينت بأن الكفاية لله وحده والاعتماد عليه دون سواه لأنه القادر على كل شيء، والمحيط بكل شيء علماً.
ولقد فرض الله التوكل على عباده وأوجب عليهم أن يخلصوه له وحده لا شريك له لأنه من أفضل العبادات ومن أجل مقامات الدين ولا يوفق للقيام به على وجه الكمال إلا أولياء الله وحزبه المؤمنون ومما يدل على فرضيته أن الله ـ تعالى ـ أمر به في مواضع كثيرة من كتابه المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم. قال ـ تعالى ـ {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 2.
قال ابن القيم: فجعل التوكل على الله شرطاً في الإيمان فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه. أ. هـ3.
قال صاحب قرة عيون الموحدين4 حول شرحه للآية السابقة "وأراد المصنف بهذه الترجمة بالآية بيان أن التوكل فريضة يجب إخلاصه لله لأنه من أجمع أنواع العبادة الباطنة فإن تقديم المعمول يفيد الحصر فلا يحصل كمال التوحيد بأنواعه الثلاثة إلا بكمال التوكل على الله كما في هذه الآية" أ. هـ5.
ومما دل على فرضية التوكل أن المولى ـ سبحانه ـ جعله من شروط صحة الإسلام والإيمان، والمفهوم من ذلك انتفاء الإسلام، والإيمان عند عدم التوكل قال الله تعالى فيما
1- التفسير الكبير 26/282.
2- سورة المائدة آية: 23.
3- طريق الهجرتين ص255.
4- هو عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
5- قرة عيون الموحدين ص204.