منامه بها أحدا ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من عيون وشجر وحائط وحجر. وفي مدينة دمشق من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى خارج باب توما، والعمود المخلق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث[1] انتهى.
وذكر ابن القيم - رحمه الله - نحو ما ذكره أبو شامة، ثم قال: فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله ولو كانت ما كانت، ويقولون: إن هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر; أي تقل العبادة من دون الله; فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له، وسيأتي ما يتعلق بهذا الباب عند قوله صلي الله عليه وسلم: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " [2].
وفي هذه الجملة من الفوائد: أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك، ولا يغتر بالعوام والطغام، ولا يستبعد كون الشرك بالله تعالى يقع في هذه الأمة، فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسنا، وطلبوه من النبي صلي الله عليه وسلم حتى بين لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [3] فكيف لا يخفى على من دونهم في العلم والفضل بأضعاف مضاعفة مع غلبة الجهل وبعد العهد بآثار النبوة؟! بل خفي عليهم عظائم الشرك في الإلهية والربويية، فأكبروا فعله واتخذوه قربة. [1] وفي مصر كذلك من هذه القبور المنامية ونحوها كقبر الحسين وزينب - رضي الله عنهما -، وكثير مما يسمى بالأربعين، بناء على عقيدة أخبث من عقيدة أهل الجاهلية الأولى, وهي عقيدة أن الولي يتشكل في أربعين جسما. وزعم الدباغ مبالغة في الوقاحة والضلال أنه يكون للولي ثلاثمائة وستون جسما، وكم في غير مصر من هذه المواضع الشركية من قبور وأشجار وأحجار، عجل الله بتطهير البلاد منها كما طهر الحجاز بيد جلالة الملك عبد العزيز آل سعود, مد الله في حياته, ووفق أبناءه للقيام بمثل عمله الصالح وأعلى بهم منار الإسلام. [2] البخاري: الفرائض (6764) , ومسلم: الفرائض (1614) , والترمذي: الفرائض (2107) , وأبو داود: الفرائض (2909) , وابن ماجه: الفرائض (2729 ,2730) , وأحمد (5/200 ,5/201 ,5/202 ,5/208 ,5/209) , والدارمي: الفرائض (2998 ,3000 ,3001) . [3] سورة الأعراف آية: 138.