وهم بهذا الرأي الأخير يعودون إلى ما قالته المحكمة ونافع من قبل، وإن كان الكفر عندهم يختلف عن الكفر عند أولئك، ولكن غلو هذه الفكرة واضح، حتى في حق من ارتكب الكفر الحقيقي.
ولا أدري ما الفرق بين هذه الفرقة وبين الفرقة الأخرى من البيهسية، التي قال عنها أبو الحسن: "وقالت طائفة من البيهسية: إذا كفر الإمام كفرت الرعية، وقالت: الدار دار شرك وأهلها جميعاً مشركون، وتركت الصلاة إلا خلف من تعرف، وذهبت إلى قتل أهل القبلة وأخذ الأموال واستحلت القتل والسبي على كل حال" [1] ، إلا أن يكون ما زاده في هذه لم تذهب إليه تلك، فالله أعلم.
ثم ينقل عن فرقة أخرى من البيهسية أنهم قالوا: "من ارتكب كبيرة لم نشهد عيه بالكفر، حتى يرفع إلى الإمام أو الوالي ويحد، فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية إلا أنهم قالوا: نقف فيهم ولا نسميهم مؤمنين ولا كافرين". (2)
وإذا انتقلنا للحديث عن الصفرية نجد هذا الاتجاه - أعني التوقف والإرجاء - لدى فرقة أخرى منهم غير هذه، وهي الفرقة المسماة "الحسينية".
وهم "يرون الدار دار حرب وأنه لا يجوز الإقدام على من فيها إلا بعد المحنة، ويقولون بالإرجاء في موافقيهم خاصة [3] كما حكي عن نجدة" (4)
وما عداه فليس للصفرية قول متميز ذو شأن، إلا إذا صحت نسبة "صالح بن مسرج" إليهم.
وصالح هذا كان من زعمائهم، حكم ببعض أحكام في الغنائم وغيرها، فاختلف عليه الخوارج في ذلك، فبرئت منه فرقة فسميت "الراجعة"، وصوب أكثر الخوارج رأي صالح، ووقف "شبيب" في صالح والراجعة وقال: لا ندري ما حكم به صالح حقاً كان أو باطلاً.
"ويقال: إن أكثر الراجعة عادوا إلى قول صالح.. فأما بعض الإباضية فيذهب إلى أن الذين برئوا من صالح كفروا، وأن من وقف في كفرهم كفر". [1] المقالات، ص116
(2) المقالات، ص116 [3] أي من ارتكب كبيرة ممن هو على دينهم يرجئون أمره إلى الله.
(4) المقالات، ص119