وهؤلاء الواقفة - إضافة إلى ما نقلناه من افتراق الضحاكية عنهم، ثم انشقاق الضحاكية - لم يتفقوا على رأي محدد بل "اختلفوا في أصحاب الحدود، فمنهم من برئ منهم، ومنهم من تولاهم، ومنهم من توقف".
كما اختلفوا "في أهل دار الكفر عندهم، فمنهم من قال: هم عندنا كفار إلا من عرفنا إيمانه بعينه، ومنهم من قال: هم أهل دار خلط فلا نتولى إلى من عرفنا فيه إسلاماً، ونقف فيمن لم نعرف إسلامه". (1)
وقد ظهر للواقفة عدو منافس هم فرقة "البيهسية" أصحاب أبي بيهس، الذي كفر الواقفة بسبب المسألة المذكورة كما سبق، وعلل ذلك بالتفريق بين التوقف في الحكم نفسه، والتوقف في حق من ارتكبه قائلاً: "إن الوقف لا يسع [2] على الأبدان، ولكن يسع على الحكم بعينه ما لم يواقعه أحد من المسلمين، فإذا واقعه أحد من المسلمين، لم يسع من حضر ذلك ألا يعرف من أظهر الحق ودان به، ومن أظهر الباطل ودان به. (3)
أي أن الإنسان قد يتوقف عن حكم ما لا يدري أهو كفر أم إيمان، فإذا فعله فاعل وحضر ذلك، فلا بد أن يعرف أهو محق أو مبطل في فعله، ويحكم عليه بالكفر أو الإيمان، بحسب الاجتهاد والعذر ونحو ذلك.
وعابت البيهسية مخالفيهم في ذلك وأسمتهم "الواقفة" [4] .
ثم إنه انشقت عن البيهسية فرقة يقال لها "العوفية" وهي في الحقيقة فرقتان: فرقة تقول: "من رجع من دار هجرتهم، ومن الجهاد إلى حال القعود، نبرأ منهم". وفرقة تقول: " لا نبرأ منهم، لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالاً لهم" [5] . وكلا الفريقين من العوفية يقولون: "إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية، الغائب منهم والشاهد" [6] .
(1) المقالات، ص111- 112 [2] أي لا يصح ولا ينبغي.
(3) المقالات، ص113 [4] 10) المقالات ص 114. [5] لأن الإباضية يجيزون الإقامة بدار التقية!! [6] 12) المقالات، ص115