فاختلف الخوارج في حكمها، فعذرها بعضهم بأنها مجبرة وأن الدار بالنسبة لها دار تقية، إذ لا تستطيع إظهار دينها، وترفض الزواج بالمشرك!!
ولكن نافعاً وحزبه لم يعذروها هي وزوجها، وقالوا: "كان ينبغي لهما أن يلحقا بنا، لأنا اليوم بمنزلة المهاجرين بالمدينة، ولا يسع أحداً من المسلمين التخلف عنا، كما لم يسع التخلف عنهم، وبرئوا من القائلين بالتقية".
ثم تطورت المسألة حتى كفروا كل من لم يهاجر إليهم، وإن كان على رأيهم، ولم يعذروه، وإن كانت إقامته تقية، وقالوا: إن كلم من لم يظهر موافقتهم كافر، لا تحل ذبيحته ولا مناكحته، بل لم يقتصروا على الكبار البالغين وإنما صرحوا بأن حكم الأطفال حكم آبائهم.
وقالوا: لا بد من امتحان من قصد دارنا، حتى نعلم صحة إسلامه.
وهكذا برزت قضية "الدار"، وأصبح من أصول الأزارقة المميزة لهم "أن كل كبيرة كفر، وأن الدار دار كفر - يعنون دار مخالفيهم - وأن كل مرتكب كبيرة ففي النار خالداً مخلداً"، و"أن من أقام في دار الكفر فكافر لا يسعه الخروج".
ولم يقفوا عند هذا، بل طبقوا ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا من أصولهم تكفير علي بسبب التحكيم، وتكفير الحكمين أبي موسى وعمرو [1] .
وبالأولى يكفرون معاوية وأهل الشام - رضي الله عن الصحابة أجمعين -.
وهذه الآراء جعلت "نجدة بن عامر الحنفي" يستقل عن نافع، وينشئ دار إسلام خاصة به وأصحابه، ومال إلى التخفيف من حدة هذا الغلو، فقرر أن الجاهل في غير الأصول معذور، حتى تقوم عليه الحجة، وأن المجتهد المخطئ معذور، وأن من خاف العذاب على المجتهد قبل قيام الحجة عليه فهو كافر!!
وأطلق على من لم يهاجر إلى دارهم اسم النفاق - ولم يقل الكفر كنافع - وقال: إن أصحاب الحدود والجنايات - ممن هو على دينهم - لا يستوجب البراءة بل نتولاه، وأن الله يخلده في النار.
ومما أحدثه "نجدة" وأصّله مسألة "الإصرار"، فقال: إن المصر على أي ذنب صغيرة أو كبيرة كافر [2] ، وقد تحولت هذه المسألة إلى أصل منهجي من أصول أكثر الخوارج قديماً وحديثاً. [1] انظر عما سبق: مقالات الإسلاميين، ص 86- 87، 89، ورغبة الآمل (7/232) [2] انظر: المقالات، ص89- 91، أي ليس مجرد الفعل كما تقول الأزارقة.