ويستوي في ذلك من تبنى المنهج الاستشراقي بصراحة؛ مثل أحمد أمين وزميليه [1] ، ومن سلك مسلك اليساريين مثل شاكر مصطفى وزاهية قدورة، ومن نقل بلا روية وتفكر مثل أبي زهرة والنشار.
وإذا كان أكثر الكتاب المعاصرين يعتبرون ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم، خلافا دنيويا سياسيا؛ فلا عجب أن يجعلوا علة ظهور الخوارج والمرجئة دوافع عصبية أو نفعية.
وحسبنا أن نورد مصطلحا واحدا من مصطلحات العصر، لنرى كيف كانت نتيجة تطبيقه على تاريخ الفرق ونشأتها؛ ألا وهو مصطلح "السياسة"؛ وذلك لارتباطه الواضح بالعلمانية الفكرية التي يعتقدها هؤلاء.
فالناظر في كتابات هؤلاء، لا يكتم عجبه من التضاد المفتعل بين مفهومي الدين والسياسة، ذلك التضاد الذي أربك آرائهم، وذبذب نظراتهم حول نشأة الفرق الإسلامية، حين يتجادلون ويتساءلون: أكان الخوارج حزبا دينيا أو سياسيا، وكذلك المرجئة والشيعة؟
فالذين اعتبروا الخوارج فرقة سياسية؛ جعلوا التعصب القبلي وما أسموه "الديكتاتورية" في الخلافة هو السبب في وجودها والدافع لحركتها، وحاولوا دحض كل ما يخالف ذلك من الآراء.
أما الذين عدوها فرقة دينية؛ فقد جعلوا الحماس الديني والزهد المتطرف هو العلة الحقيقية وتنكروا لما عدا ذلك.
ونسي هؤلاء وهؤلاء أن السياسة باعتبارها جانبا أساسيا مهما من جوانب الإسلام، لا يمكن فصلها كلية عن أي اتجاه عقائدي داخل الحياة الإسلامية، وغاية ما في الأمر أن بعض الطوائف يبرز لديها هذا الجانب أو ذاك وأكثر ما يظهر ذلك من المسار الحركي والتطبيقي، لا في الأصول النظرية التي الأصل فيها هو العقيدة والمبدأ [2] . [1] طه حسين والعبادي، وانظر عن اعترافه بتبني آراء المستشرقين: ضحى الإسلام، ص 3. وقد تبعه ابنه حسين أحمد أمين في كتابه دليل المسلم الحزين، وهو أحد أصحاب الاتجاه العصري الذي سبق له إشارة. [2] حتى نظرية الإمامة عند الشيعة لا تسوغ اعتبار الشيعة فرقة سياسية بمفهوم هؤلاء، بل هي مما يؤيد قولنا: إن العقيدة هي الأصل؛ ولهذا جعلتها الشيعة أصلا من أصول دينها.