الذي يستشفه المرء من النصوص الواردة فيهم، ومن تبويب كتب السنة والفقه لأحكامهم استقلالا.
فالغلو في دائرته الواسعة ظاهرة كبرى في تاريخ الديانات قبلنا، حتى لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" [1] .
وما تأليه المسيح - أو عزير - ورهبانية النصارى إلا مثال لذلك.
أما هذه الملة فقد ظهر الخوارج في أولها ووسطها وآخرها، وما يزال خروجهم في المستقبل واردا.
ومن هنا كان لا بد من معرفتهم ودراسة فكرهم ومنهجهم؛ ليحذر ويجتنب أولا، ولضمان عدم نشوء رد الفعل المقابل وهو الإرجاء ثانيا.
وهذه الحقائق النصية والمصالح الشرعية، تضيع منا إذا استسلمنا لمنهج أكثر الباحثين المعاصرين والمحدثين، في دراسة الفرق الإسلامية ونشأتها.
وإذا أحسنا الظن بهؤلاء وغضضنا الطرف عما لديهم من التقليد الأعمى أو التحريف المتعمد، فإننا نقول: إن مصدر الخطأ في منهجهم هو تطبيق واقع العصر الحاضر ومفاهيمه على العصور السابقة مع أن لكل عصر مميزاته الواضحة التي يسمونها "روح العصر"!
فلأننا في عصر تغلب عليه الصراعات السياسية والتكتلات الحزبية المجردة، والأغراض النفعية الخالصة؛ قام هؤلاء بتطبيق هذا الواقع على ذلك العصر، الذي كانت العقيدة والمبدأ هي المنطلق والأساس لتصرفات الطوائف والفرق، وإن ما قدمته الفرق المنحرفة من تضحيات ضخمة، وجهود هائلة تتجرد عن أي غرض مصلحي؛ لهو أحد الأدلة على ذلك.
ومن هنا اصطبغت الكتابة التاريخية المعاصرة - إلا ما قل - بالمنهج الغربي، الذي هو بطبيعة الحال ابن بيئته التي تتمرغ في أوحال المادة، وتعاني مرارة الصراع النفعي، ولا تؤمن بما يسمى "القيم المجردة"، ثم هي بعد ذلك وقبله غارقة حتى الثمالة في النظرة العصبية الحاقدة على الإسلام. [1] صحيح، رواه الإمام أحمد (1/347،215) ، والنسائي (5/268) .