إذا جاءت أسباب العذاب ونزل العذاب لا ينفع الإيمان، وكما حصل لفرعون فإن فرعون الذي ادعى الربوبية وقال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } لما نزل به العذاب آمن، لكن ما نفع، قال الله تعالى: {* وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) } .
فرعون الذي يقول للناس: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } قال: آمنت وأنا من المسلمين. لكن هل نفع؟ ما نفع قال الله: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) } لماذا؟ ما نفع لأن العذاب إذا نزل ما ينفع، إذا نزل العذاب وانعقدت أسباب العذاب ما ينفع الإيمان، كما في الآية الكريمة: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) } .
قوم يونس استثناهم الله، مستثنون، استثناهم الله، انعقدت أسباب العذاب وآمنوا، فصح منهم الإيمان، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} إذن قوم يونس مستثنون {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) } .
وبهذا يتبين أن أمة يونس ليست خارجة عن القاعدة، أرسلت بشريعة مستقلة، وردوا عليه دعوته في أول الأمر، ثم بعد ذلك آمنوا لما انعقدت أسباب العذاب، واستثناهم الله.
المسألة الرابعة: هناك أيضا من دلائل النبوة -دلائل النبوة كما سبق كثيرة- من دلائل النبوة: ما أبقاه الله تعالى من الآثار، من آثار الأمم، فإن الله تعالى أبقى آثار الأمم المهلَكة، فإن الله تعالى ينصر المؤمنين، ويؤيدهم على القوم الكافرين.
والكفار يهلكهم ويعاقبهم، وبقيت آثارهم متواترة، يعرفها الناس جميعا، متواترة كتواتر الطوفان الذي أغرق الله به قوم نوح، وغرق فرعون، وكذلك أيضا آثار الأمم المهلَكة كآثار قوم لوط، وقوم هود، وقوم صالح.
ولهذا في سورة الشعراء يقول الله تعالى بعد كل قصة، لما ذكر قصة موسى، ثم قصة إبراهيم، ثم قصة نوح، ثم قصة هود، ثم قصة صالح، ثم قصة لوط، ثم قصة شعيب قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) } .
ومن دلائل النبوة: ما اشتملت عليه الشرائع التي جاء بها الأنبياء من العلوم والأعمال والأحوال العظيمة، وما اشتملت عليه من الرحمة للخلق، ودعوتهم إلى ما فيه خلاصهم ونجاتهم، ودعوتهم إلى ترك ما فيه هلاكهم، هي مشتملة على علوم وأحوال وصفات إذا تخلق بها الناس وعملوا بها حصلت لهم السعادة، وتحذر مشتملة على التحذير من أسباب الهلاك، ومن الأخلاق السيئة، والأخلاق الرذيلة، فهذه من دلائل النبوة. نعم.