ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم
في هذا إثبات علم الله عز وجل وسبق الكلام على علم الله، والأدلة، والمؤلف كرر قال: خلقهم بعلمه، ثم قال: لم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم.
والمعنى أن علم الله -سبحانه وتعالى- سابق للمقادير ومراتب القدر كما هو معلوم أربع:
المرتبة الأولى: العلم الشامل لجميع الكائنات، علم الله الشامل لجميع الكائنات،.
الثانية: كتابته لها في اللوح المحفوظ.
الثالثة: إرادته ومشيئته.
الرابعة: خلقه وإيجاده.
هذه مراتب القدر من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر، والأدلة عليها كثيرة. قال الله -تعالى-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) } هذا دليل على إثبات العلم والكتاب.
قال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) } وللإرادة أدلة كثيرة كما سبق. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) } وللخلق والإيجاد أدلة كثيرة {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) } {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ومن أنكر المرتبة الأولى، والثانية العلم والكتابة، فقد كفَّره أهل العلم؛ لأن من أنكر العلم نسب الله إلى الجهل.
وكانت القدرية الأولى ينكرون العلم والكتابة، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي -رحمه الله- ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا فمن أنكر العلم والكتابة فهم القدرية الأولى كفروا، فإنهم يكفرون بهذا؛ لأنهم ينسبون الله إلى الجهل، فقد انقرضت القدرية الأولى، وأما عامة القدرية فهم يثبتون العلم والكتابة وينكرون عموم الإرادة والمشيئة بجميع الكائنات حتى تشمل أفعال العباد، قالوا: إن أفعال العباد ما أرادها الله ولا خلقها. العباد هم الذين أرادوها وخلقوها.
وعلم الله -كما سبق- شامل للماضي والمستقبل والحاضر بل لما لم يكن أن لو كان كيف يكون كما قلنا {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) } بيَّن الله أنه يعلم حالهم لو ردوا. وأدلة العلم كثيرة الكتاب والسنة {* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) } .
والدليل العقلي على ثبوت العلم لله عز وجل أنه يستحيل إيجاد هذه الأشياء مع الجهل العقل يحيل إيجاد الأشياء مع الجهل؛ ولأن الإيجاد يستلزم الإرادة، والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد هو العلم فثبت علم الله في الشرع والعقل؛ في الشرع الأدلة كثيرة {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) } {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) } {* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) } .
وكما سبق علم الله شامل لما مضى وللمستقبل وللحاضر ولما لم يكن أن لو كان كيف يكون والعقل أيضا دل على ثبوت العلم لله؛ لأنه يستحيل إيجاد الأشياء مع الجهل؛ ولأن الإيجاد يستلزم الإرادة، والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد هو العلم. نعم.
من قسم مراتب القدر إلى ستة مراتب، وقسم المشيئة إلى مشيئة سابقة وحالية؟ وأضاف الأمر للمراتب؟
معروف عند أهل العلم أن المراتب أربعة والمشيئة واحدة.
المشيئة ما تنقسم، المشيئة واحدة، والإرادة تنقسم إلى قسمين،. وهذه معروفة أنها أربع، وشيخ الإسلام -رحمه الله- جعلها على درجتين، وكل درجة تتضمن مرتبتين، الدرجة الأولى العلم تتضمن مرتبة العلم والكتابة، والثانية الإرادة والإيجاد والخلق، أربع مراتب ما نعرف أن أحدا قسمها ستا. نعم.