وقدّر لهم أقدارا
قدّر لهم أقدارا: الله -سبحانه وتعالى- قدَّر الأقدار والآجال وجعل لكل شيء من مخلوقاته أقدارا وأجلا قال سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) } وقال سبحانه: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) } ومن ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- قدَّر مقادير الخلائق كما في الحديث الذي ثبت في صحيح مسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) .
وهو -سبحانه- قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وقدَّر لكل أجل كتاب، وخلق كل شيء فقدره تقديرا. وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربعة كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) .
وهذا من تقديره تقدير الأجل، ومن ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- قدَّر الموت على كل أحد، وجعل له أجلا مقدرا كما قال سبحانه: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) } {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) } .
الله -تعالى- قدَّر الموت على كل مخلوق. فلا يتأخر عن هذا الأجل ولا يتقدم إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وأسباب الموت متعددة سواء كان قدر الله الموت على العبد بالمرض أو بالقتل أو بالغرق أو بالحرق أو بأي سبب من الأسباب فهو مات بأجله الذي قدره الله عليه.
وهذا فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن المقتول قطع عليه أجله، قالوا: إن المقتول قطع عليه أجله، ولو لم يقتل لعاش إلى أجل آخر، وهذا باطل. هذا من أبطل الباطل؛ لأن الله -تعالى- قدر الموت، وجعل له أسبابا، قدر بأن هذا سيموت بالقتل لكن ما يتقدم ولا يتأخر. المقتول مقدر عليه، مقدر عليه الموت بسبب القتل ولا يتأخر ولا يتقدم، كما أن الذي قدر عليه الموت بالمرض كذلك أو بالهدم أو بالغرق أو بالحرق أو بغير ذلك من الأسباب.
يقول المعتزلة: إن المقتول قطع عليه أجله هذا من أبطل الباطل؛ لأن معنى ذلك أن يكون له أجلان جعل الله أجلا لا يصل إليه أو أن الله جعل له أجلين كالجاهل الذي لا يعلم العواقب، وهذا من أبطل الباطل، والصواب أن المقتول كغيره أجله مقدر بالقتل لا يتقدم ولا يتأخر هو داخل في قول الله عز وجل {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) } ومن بذلك أن حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم- (اللهم أمتعني بأبي قبل زوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد سألت الله بآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لا يؤخر الله شيئا عن أجله ولا يتقدم شيء عن حله ولو سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر لكان خيرا وأفضل) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
وهذا دليل واضح بأن الآجال مضروبة ومعدودة، ولهذا كان الإمام أحمد -رحمه الله- يكره أن يدعى له بطول العمر ويقول: إن هذا أمر فرغ منه، لكن ظاهر الحديث من أم حبيبة أنه جائز؛ لأن النبي قال: (لو سألت الله أن يعيذك من عذاب النار أو عذاب القبر لكان أفضل) ولم يقل: إنه ممنوع فدل على جوازه لكن ينبغي أن يقيد بالطاعة.
إذا قلت: أطال الله عمرك على طاعته هذا حسن أما أن تقول أطال الله عمرك فقط هذا ليس دعاء، منه ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله) إذا طال العمر على شر هذا شر ليس خيرا، وإذا طال العمر على خير هذا خير، فإذا أردت أن تدعو لأخيك وتقول: أطال الله عمرك على طاعته، ونحن في لهجتنا الدارجة نقول أطال الله عمرك، طوَّل الله عمرك، ينبغي أن يضاف إليها: على طاعته. حتى تحصل الفائدة وتكون الدعوة فيها خير.