ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الطحاوي -رحمه الله تعالى- ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا. يعني: نعتقد أن الجماعة حق، وأنه يجب على الأمة أن تجتمع على الحق وعلى إمام واحد، وأن يتبعوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يعتصموا بحبل الله، كما قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} وقد ذم الله تعالى الاختلاف والتفرق، فالحق هذه الأمة الإسلامية أن تجمتع، وهذا هو الصواب، فالأمة الإسلامية عليها أن تجتمع على الحق وعلى كتاب الله وعلى سنة رسوله، وأن تعتصم بحبل الله ودينه، وليس لها أن تتفرق، فالفرقة زيع وانحراف، فالزيع هو الانحراف عن الصراط المستقيم، قد ذم الله المتفرقين والمختلفين {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) } .
والأدلة كثيرة حثت على الاجتماع والنهي عن التفرق والاختلاف عليكم بالجماعة والعامة والمسجد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والاختلاف والافتراق في الأمة الإسلامية ينقسم إلى قسمين: اختلاف محمود مرحوم أهله، وهو أن يقر المختلفون بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، ولا يبغي بعضهم على بعض.
ومثاله: التنازع الذي حصل للصحابة في خلافة عمر وعثمان في بعض مسائل الاجتهاد في بعض مسائل الاجتهاد، فيقر بعضهم بعضا، ولا يعتد ولا يعتد عليه.
أما الاختلاف المذموم، فهو ألا يقر المختلفون بعضهم بعضا، بل يبغي بعضهم على بعض، إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل مثل حبسه وضربه، مثل حبسه أو ضربه أو قتله، ومثال ذلك الذين امتحنوا الناس في خلق القرآن، فإنهم ابتدعوا بدعة وكفروا من خالفهم فيها، واستحلوا منع حقه وعقوبته.
والناس تجاه من خفي عليهم مما بعث الله به رسوله قسمان: عادلون وظالمون، فالعادلون يعملون بما وصلوا إليه من آثار الأنبياء، ولا يظلمون غيرهم لا بكفره ولا بتكفيره ولا بتفسيقه ولا بحبسه ولا بضربه ولا بقتله، بل يقر بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، وكالمقلدين لأئمة العلم، وهم عاجزون عن معرفة الحكم، فجلعوا أئمتهم نوابا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فالعادل منهم لا يظلم الآخر، ولا يعتدي عليه لا بقول ولا بفعل كأن يدعي أنه قول مقلده، هو الصحيح بلا حجة يبديها، ويذم من خالفها، مع أنه معذور، والظالمون الذين يعتدون على غيرهم في قول أو فعل وأكثرهم يظلمون مع علمهم بذلك.
وهؤلاء ذمهم الله في كتابه، فقال: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}
أنواع الافتراق والاختلاف: في الأصل أنواع الافتراق والاختلاف، في الأصل ينقسم إلى قسمين: القسم الأول اختلاف تنوع، والقسم الثاني: اختلاف تضاد، فاختلاف التنوع ضابطه هو ألا يوجد في الاختلاف تناف أو تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال والفعلين، هذا يسمى اختلاف تنوع، والثاني اختلاف تضاد، وهو أن يوجد في الاختلاف تناف أو تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
النوع الأول اختلاف تنوع، وهو الذي لا يحصل لا يوجد اختلاف ولا تناف ولا تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
له أمثلة: من أمثلته ... أو له أنواع: الأول ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا، مثاله: القراءات التي اختلف فيها الصحابة حتى زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: كلاكما محسن.
ثانيا: اختلاف الأنواع في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح ومحل سجود السهو والتشهد وصلاة الخوف وتكبيرات العيد ونحو ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان بعض أنواعه أرجح وأفضل.