ذلك بأنه على كل شيء قدير
ذلك بأنه على كل شيء قدير، فلكونه -سبحانه وتعالى- متصفا بصفاته الذاتية والفعلية في الأزل، وأنه لم يزل فعالا، وأنه ليس هناك فترة يعطل فيها الرب ذلك، بأنه على كل شيء قدير، كل شيء على الله، كل شيء عليه قدير -سبحانه وتعالى- فهو على كل شيء قدير، وأراد بذلك الرد على المعتزلة الذين يقولون، ما يقولون: إن الله على كل شيء قدير، بل يقولون: إن الله على ما يشاء قدير.
لأن هناك شيء لا يقدر عليه الله عند المعتزلة، وهى أفعال العباد، ولذلك فأوّلواَ "إنه على كل شيء قدير" يقولون: على كل شيء يقدر عليه، على كل شيء قادر عليه وأفعال العباد لا يقدر عليها؛ لأن أفعال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية هم الذين خلقوها وأوجدوها والله لا يقدر عليها كما سبق، أو قالوا: إن العباد أحدثوا أفعالا من طاعات ومعاصي.
ولهذا قالوا: إن العبد يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره؛ لأنه هو الذي أوجده؛ وقالوا: إنه يجب على الله أن يعاقب العاصي، وأن يخلد صاحب الكبيرة في النار؛ لأنه توعد بذلك ولا يخلف وعيده ولذلك قالوا: إن أفعال العباد لا يقدر عليها الرب، وليس هذا موضع الرد عليهم لكن لعله يأتي إن شاء الله في المستقبل، فهم يقولون لا يقولون إن الله على كل شيء قدير، بل يقولون: إنه على ما يشاء قدير ولذلك إذا رأيت في بعض الكتب يذكر في آخرها، وهو على ما يشاء قدير، فاعلم أن هذا يتمشى مع بعض المعتزلة، ولا يرد على ذلك قوله -تعالى- {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) } .
هذا مقيد بجمعهم وعلى جمعهم إذا يشاء قدير، فلا يقال: إنه على ما يشاء قدير بل يقال: إنه على كل شيء قدير؛ لأن معنى قوله: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) } يفهم منها أن هناك شيئا لا يشاءه الله فلا يقدر عليه ويفعله العباد وهذا باطل؛ لأنه تأول القول على كل شيء قدير، على كل شيء يقدر عليه، وعلي هذا قياس ما قال ما يقيد الله بكل شيء عليم، أو يقال بكل شيء يعلمه عليم كما قالوا: إنه على كل شيء يقدر عليه إنه على كل شيء مقدور له قدير.
أما أفعال العباد فليس مقدور له. وهذا من أبطل الباطل وهو مصادم لنصوص القرآن والسنة والله -تعالى- يقول {إِن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) } {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) } وكل من صيغ العموم كل شيء كل ما يسمى شيئا، فالله -تعالى- يقدر عليه، ولا يرد على هذا الممتنع الذي لا يمكن؛ لأنه لا يسمى شيئا؛ وعند أهل السنة أن الله على كل شيء قدير؛ فالممتنع الذي لا يمكن وجوده لا يسمى شيئا؛ فلا يرد على هذا قوله مثل كون الشيء موجودا معدوما في وقت واحد هل يقال: إن هذا يقدر عليه الله يكون الشيء موجودا معدوما في وقت واحد.
ومثل قولهم: هل يقدر على خلق مثل نفسه؟ ومثل قولهم هل يقدر على إعداد نفسه؟
والجواب: إن هذا من ممتنع تماما هذه الأمور ممتنعة؛ لأنه لا يمكن إيجادها ولا يتصور إيجادها، ولا تسمى شيئا باتفاق العقلاء ما تسمى شيئا، ليست داخلة في قوله كل شيء {إِن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) } وكون الشيء موجودا معدوما لا يسمى شيئا، ومثل خلقه نفسه أو إعداد نفسه لا يسمى شيئا، ولا يتصور وجوده حتى يقال: إنه شيء لا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ولا يمكن وجوده، ولا يتصور وجوده فلا يكون داخلا في عموم كل شيء.
اختلف العلماء في المعدوم الذي يمكن وجوده قالوا: هو شيء هل يسمي شيئا؟ أو لا يسمي شيئا؟.
والصواب أنه يسمي شيئا في الذكر والكتاب والعلم كما قال -سبحانه وتعالى- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) } الساعة ما جاءت سماها الله شيئا فهي شيء عظيم في الذكر، في العلم؛ في علم الله، وفي الكتاب وفي الذكر، {إِن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) } مثل قوله -سبحانه وتعالى- {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) } لم يكن شيئا في الوجود لكنه شيء في علم الله وذكره وكتابه وقوله -سبحانه- عن زكريا: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) } لم تك شيئا في الوجود، ولكنه شيء في علم الله وذكره وكتابه، أما الممتنع الذي لا يمكن وجوده، فهذا لا يسمى شيئا، فلا يقال: إنه داخل تحت القدرة؛ لأنه يسمى شيئا ولا يسمى شيئا. نعم.