مُمِيتٌ بِلَا مَخَافَةٍ، بَاعِثٌ بِلَا مَشَقَّةٍ.
مميت لأنه -سبحانه وتعالى- يحيي ويميت من صفاته الفعلية أنه يحيي ويميت، من صفاته الفعلية: يحيي ويميت. وهو مميت بلا مشقة بلا مخافة يحيي ويميت، مميت بلا مخافة باعث بلا مشقة.
وهو يميت عباده، يميت من يشاء إماتته بلا مخافة من أحد، لا يخاف من أحد؛ لأنه ليس فوقه أحد يخافه كما قال -سبحانه وتعالى- حينما أهلك ثمود قوم صالح: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) } . هو لا يخاف من أحد -سبحانه وتعالى-، ليس فوقه أحد وهو الحكيم العليم، هو مميت بلا مخافة، باعث يبعث عباده؛ يحييهم ويعيد إليهم أرواحهم ويبعث أجسادهم بعد إماتتهم حينما يأمر إسرافيل فينفخ في الصور فتعود الأرواح إلى الأجساد، ويقوم الناس لرب العالمين، كما سيأتي في مبحث البعث.
والموت صفة الوجودية خلافا للفلاسفة ومَن وافقهم؛ فإنهم يقولون: صفة عَدَمية، والصواب أن الموت صفة وجودية، والدليل على أنه صفة وجودية قول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} والمعدوم لا يوصف بكونه مخلوقا هو الذي خلق الموت والحياة يدل على أن الموت صفة وجودية، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالموت على صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويقال يا أهل النار خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة نعيما إلى نعيمهم، ويزداد أهل النار حسرة إلى حسرتهم) .
وهذا بعد إخراج العصاة (عصاة الموحدين) من النار، والموت وإن كان عرضا إلا أن الله يقلبه عينا؛ لأن الله على كل شيء قدير، والذي يُذَبح هو الموت لا المَلَك -كما يتوهمه بعض الناس- ليس الذي يذبح الملك لكن الموت صفة وجودية جعلها الله بيد الملك، فالذي يذبح الموت لا الملك، الملك ملك الموت موكل به (بالموت) ، والله على كل شيء قدير.
كما أن العمل الصالح يأتي الإنسان في قبره على صورة شاب حسن، والعمل القبيح يأتي على أقبح صورة، فالله تعالى يجعل عمله عينا، وكما يأتي القرآن في صورة الرجل الشاحب اللون يعني قراءته عمله، القرآن كلام الله، والمراد القراءة والعمل.
وكما أن الأعمال توزن يوم القيامة في الميزان يجعلها الله أعيانا، وكما أن سورة البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة يظلِّلان صاحبهما كأنهما غمامتان أو غيابتان أو صنفان من هذه الأصناف يعني عمله، وكما أن العمل الصالح، الأعمال الصالحة تصعد إلى الله كما ثبت في الحديث الصحيح، كما ثبت في القرآن الكريم، كما جاء في القرآن الكريم: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} . نعم.
مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا