والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء، ولا ينقضهما
وهذا من أصول أهل السنة أيضا، ومعتقدهم، وهو مضي الحج والجهاد مع أولي الأمر مسلما برا كان، أو فاجرا، هذا من أصول أهل السنة خلافا لأهل البدع من الروافض والخوارج والمعتزلة؛ فإنهم لا يرون الحج، ولا الجهاد مع ولي الأمر البر والفاجر؛ لأن الخوارج يرون الإمام إذا كان فاجرا يجب قتله وخلعه، وإخراجه من الإمامة؛ لأنه كافر، والمعتزلة كذلك يرون أنه خرج من الإيمان، ودخل في الكفر، والرافضة لا يرون الإمامة إلا إمامة المعصوم، وأهل السنة يخالفونهم، ويرون الحج والجهاد مع ولي الأمر برا كان أو فاجرا.
والأدلة في هذا كثيرة، وهي الأدلة التي سبقت، ومن الأدلة الأحاديث التي فيها حديث أبي هريرة (الصلاة واجبة مع كل أمير برا كان أو فاجرا وإن عمل بالكبائر والجهاد، واجب عليكم مع كل أمير برا كان، أو فاجرا، وإن عمل بالكبائر) والأدلة التي سبقت، في أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، والحكمة في هذا، في منع الإسلام، الخروج على ولي الأمر، وغض النظر عن فجوره، وإيجاب الحج والجهاد معه.
الحكمة في هذا أن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر، فلا بد من سائس يسوس فيهما، ويقام فيهما العدل، وهذا المعنى كما يحصل بالإمام البر يحصل بالإمام الفاجر، أما الرافضة، فمذهبهم أنه لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضي من آل محمد الذي دخل السرداب، يخرج، وينادي مناد من السماء اتبعوه، وهو المهدي المنتظر الثاني عشر من نسل الحسين، وهو محمد بن الحسن العسكري، وقد دخل سرداب سامراء سنة ستين، ومائتين في العراق، وذلك أنهم يقولون: إن الله أردف الرسالة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة، فنصب أولياء معصومين منصوصين ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم؛ فينقادون إلى أوامرهم؛ لأن لا يخلي الله العالم من لطفه ورحمته.
وقالوا: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم لما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم قام بثقل الرسالة وأعبائها، ونص على أن الخليفة بعده علي بن أبي طالب، ثم من بعده الحسن بن علي، ثم الحسين بن علي، ثم علي بن محمد، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ثم الخلف الحجة المهدي المنتظر محمد بن الحسن، الذي دخل سرداب سامراء سنة ستين، ومائتين، ولم يخرج منه إلى الآن.
شيخ الإسلام يقول: مضى عليه أربعمائة سنة في عهده، ونحن نقول الآن مضى عليه ألف، ومائتان سنة ولم يخرج، وهو شخص موهوم لا حقيقة له؛ لأن أباه الحسن مات عقيما، ولم يولد له، الحسن مات عقيما، ولم يولد له فاختلقوا له ولدا وأدخلوه السرداب، ومضى عليه ألف، ومائتان، ولم يخرج، وهم في كل سنة يقول العلماء: من القديم إلى الآن يأتون عند باب السرداب، ويأتون بدابة بغلة، أو غيرها، وينادون بأصوات مرتفعة يا مولانا، اخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا اخرج، ويجعلون أناسا يقفون طرفي النهار في أمكنة بعيدة من المشهد في أوقات النهار، وإذا جاءت الصلاة لا يصلون، فإذا قيل لهم لماذا لا تصلون؟ قالوا نخشى أن يخرج المهدي، فننشغل بالصلاة عن خدمته.
فإذن شرط الرافضة في الإمام أن يكون معصوما، وهذا، نقول الرد: أن هذا الدليل لا دليل عليه، أين الدليل على العصمة، بل إن في حديث عوف بن مالك الأشجعي ما يدل على أن الإمام، لا يكون معصوما يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، وتصلون عليهم، ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابزهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية، ولا ينزعن يدا من طاعة) أين الوجوب، أين الإمام المعصوم في هذا، فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إن الإمام يجب أن يكون معصوما، ويرد عليهم بالأدلة السابقة، ثم أيضا إذا كان يشترط في الإمام أن يكون معصوما، فأخسر الناس صفقة في الإمام المعصوم هم الرافضة؛ لأنهم جعلوا الإمام المعصوم، هو الإمام المعدوم الذي لم ينفعهم لا في دين، ولا في دنيا؛ فإنهم يدعون أن الإمام المنتظر الذي دخل السرداب هناك، ومن المعلوم أنه لو كان موجودا في السرداب، وقد أمره الله بالخروج؛ فإنه يخرج سواء نادوه، أو لم ينادوه، وإن لم يؤذن له، فهو لا يقبل منهم، وإذا خرج؛ فإن الله يأتيه يؤيده، ويأتيه بمن يعينه وينصره.
لا يحتاج أن يقف له دائم من الآدميين، من ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.