الثامن: التصريح بأنه في السماء، كقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) } وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاه: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمه) الحديث، و"في" إذا فسرت "السماء" بمعنى العلو، فهي للظرفية، وإذا فسرت السماء بالطباق المبنية فهي بمعنى على، كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وقوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} لأن الله سبحانه لا يحصره ولا يحيط به شيء من خلقه.
التاسع: الإخبار عن رفعته وعظمته بأنه رفيع الدرجات، كقوله: تعالى في سورة غافر: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} فعيل بمعنى مفعول، أي مرفوعة درجاته برفعته وارتفاعه وعلو شأنه، وليس رفيع هنا بمعنى رافع درجات المؤمنين، فيكون فعيل بمعنى فاعل، كما يقوله المعطلة؛ لأن السياق يأبى هذا القول.
وذلك أن الله -سبحانه- وصف نفسه قبل هذا بالعلو في قوله: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) } ثم وصف نفسه بأنه رفيع الدرجات ذو العرش، فالأوصاف كلها راجعة إلى رفعته هو وارتفاعه على الخلق، لا إلى رفعه بعض خلقه، ونظير هذا قول الله -تعالى- في سورة المعارج: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) } أي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة إليه جل سلطانه، وهي الدرجات الرفيعة، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
العاشر: التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، كقوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) } وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (206) } وقوله: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) (38) } وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
(لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي) واختصاص هذه المخلوقات بأنها عنده دليل على علو الله على خلقه، وإلا لم يكن لتخصيص هذه الأشياء بأنها عنده فائدة، ولكان أشرف المخلوقات وأدناها في القرب عنه والعندية سواء.
الحادي عشر: الإخبار بأن من أسمائه الظاهر، وتفسير أعلم الخلق به له بنفي فوقية شيء عليه كقوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} مع قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه واستفتاحه:
(اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء..) فتفسير الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم للظاهر بنفي ضده تقرير لإثبات العلو، إذ الظهور والعلو متلازمان، فكل ما علا الشيء ظهر، وبان كما أنه كلما سفل الشيء خفي واستتر.
الثاني عشر: إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه إلى السماء حين خطب الناس يوم عرفة مخاطب ربه بقوله: (اللهم اشهد ثلاث مرات) وذلك يدل على علو الله على خلقه، وإلا لم يكن لتخصيص السماء بالإشارة فائدة.
الثالث عشر: ما ثبت في القرآن والسنة المتواترة من رؤية أهل الجنة لربهم عز وجل كقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } وقوله صلى الله عليه وسلم (إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر لا تضامون في رؤيته) فالرؤية قطعية الثبوت بالأدلة المتواترة، والرؤية المعقولة عند جميع بني آدم تقتضي مقابلة الرائي للمرئى ومواجهته له.
الرابع عشر: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بأين، كقوله صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .