والصواب أن الكرسي مخلوق آخر غير العرش، والصحيح أن الكرسي غير العرش، وهو موضع قدمي الرحمن جل جلاله.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدرامي -رحمه الله-: هذا الذي عرفناه عن ابن عباس صحيحا مشهورا، فالكرسي مخلوق عظيم، وهو موضع القدمين لله -سبحانه- كما روى ابن أبي شيبة والحاكم، وقال: على شرط الشيخين، عن ابن عباس في قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أنه قال: "الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله"، وذكر ابن جرير عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في ظهر سلاسل من الأرض) .
والله -سبحانه وتعالى- استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، وجاء ذكر استواء الله -سبحانه- على عرشه في سبعة مواضع من القرآن.
الموضع الأول في سورة الأعراف قال تعالى: {إِن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} .
الموضع الثاني: في سورة يونس قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} .
الموضع الثالث: في سورة الرعد، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .
الموضع الرابع: في سورة طه قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } .
الموضع الخامس: في سورة الفرقان قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} .
الموضع السادس: في سورة الم السجدة، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .
الموضع السابع: في سورة الحديد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .
والعلو صفة من صفات الله، والاستواء صفة من صفات الله، لكن هل هناك فرق بين العلو والاستواء، العلو صفة من صفات الله، والاستواء صفة من صفات الله، فما الفرق بينهما بين الصفتين؟ يتبين الفرق واضحا بين هاتين الصفتين من وجهين:
الوجه الأول: أن العلو من صفات الذات، فهو ملازم للرب الرب لا يكون قط إلا عاليا، والاستواء من صفات الأفعال، وكان بعد خلق السماوات والأرض كما أخبر الله بذلك في كتابه، فدل على أنه -سبحانه- تارة كان مستويا على العرش وتارة لم يكن مستويا عليه، فاستواؤه على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض العرش مخلوق قديم، ولكن استواء الله على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض، فالاستواء علو خاص، فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستويا عليه.
فالأصل أن علوه سبحانه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه بمشيئته وقدرته، ولهذا قال: ثم استوى.
الثاني: أن العلو من الصفات المعلومة بالسمع والعقل هذا الفارق الثاني، العلو من الصفات المعلومة بالسمع والعقل، وأما الاستواء على العرش فهو من الصفات المعلومة بالسمع لا بالعقل، يعني أن العلو صفة العلو ثابتة بالعقل والشرع كل الناس يثبتون ويدركون أن الله في العلو حتى البهائم أما الاستواء على العرش هذا ما عرف إلا من الشرع، والعلو من الصفات الذاتية من الصفات التي اشتد فيها النزاع صفة العلو من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين المخالفين من أهل البدع، فهي من الصفات العظيمة.
وقلت لكم إن هناك ثلاث صفات من أثبتها فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدعة، ما هي؟ الكلام صفة الكلام، صفة الرؤية، وصفة العلو هذه الصفات هي العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدعة من أثبتها، فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدعة، ولهذا الأشاعرة والجهمية والمعتزلة نفوا العلو، ونفوا الكلام، الأشاعرة أثبتوا الكلام معنى قائم بالنفس، وأثبتوا الرؤية لكن ما أثبتوا الفوقية، ما أثبتوا الجهة، قالوا: يرى لا في مكان.
والعلو في اللغة العربية معناه الارتفاع، والمراد به شرعا: هو وصف ذاتي لله -سبحانه- وصف ذاتي لله -سبحانه-، وهو ثلاثة أنواع، علو الله ثلاثة أنواع: النوع الأول علو الذات ذاته -سبحانه- عالية، النوع الثاني علو القدر، قدره وشأنه عال، النوع الثالث علو القهر والغلبة والسلطان، فله -سبحانه- العلو المطلق بأنواعه الثلاثة علو ذاته فوق مخلوقاته، وعلو قدره وعظمته، وشأنه وعلو قهره وسلطانه، كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية الشافية:
والفوق أنواع ثلاث كلها
لله ثابتة بلا نكران