فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما
ويل: شدة العذاب والهلاك، وقيل: وادٍ في جهنم، ويل لمن صار لله في القدر خصيما، ويل لمن كان خصيما لله، خصيم: فعيل بمعنى مخاصم، ويل لمن خاصم الله في قضائه وقدره، فالذي لا يؤمن بقضاء الله وقدره، أو الذي يعترض على الله، يقول: لماذا فعل كذا؟، كيف فعل كذا؟، لماذا أغنى هذا؟، ولماذا أفقر هذا؟، ولماذا أشقى هذا؟، ولماذا أسعد هذا؟، ولماذا هدى هذا؟، ولماذا أضل هذا؟، ولماذا خلق الله كذا؟، لماذا خلق الله الحيات والعقارب؟، لماذا خلق الله السباع والهوام؟، لماذا جعل الله الحر والبرد،؟ لماذا ولماذا؟ يعترض على الله هذا خصيم لله مخاصم لله، ويل له ويل لمن كان لله في القدر خصيما، هذا قدر الله سر الله في خلقه، كيف تخاصم الله، ويل لمن كان خصيما لله. نعم. فويل ويل لمن كان لله في القدر، يعني ما قدره في خلقه وأمره ونهيه، ويل لمن خاصم الله، فاعترض على الله في خلقه وفي شرعه ودينه.
ويل لمن تكلم في القدر وقلبه سقيم
وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما.
نعم أحضر للنظر في القدر قلبا سقيما يعني قلبا مريضا بأن هذا القلب المريض هو الذي يعترض على الله، ويشك في حكمته، ويتهم ربه ويظن به الظنون السيئة كظن المنافقين والكفرة، قال سبحانه: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) } وقال سبحانه فيه: {ويعذب الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائرة السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) } .
فالمنافقون يظنون أن الله لا يتم هذا الدين، وأن الله يخذل رسوله، وأنه يقضى على هذا الدين، ويقضى على الرسول والصحابة، هذا ظن السوء، كذلك من اتهم ربه، وظن به ظنا سيئا، وأنه ليس حكيما في شرعه أو ليس حكيما في قدره أو اتهم ربه، وقال: إنه ليس حكيما فيما يقدره ويخلقه هذا أحضر للنظر فيه قلبا سقيما قلبه مريض القلب يمرض.
والمرض نوعان: مرض شبهة، ومرض شهوة، مرض الشبهة مرض الشكوك، كمرض النفاق كقوله سبحانه: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) } ومرض الشهوة شهوات المعاصي كقوله سبحانه: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} وأسوأ الشبهة ما كانت الشبهة في الصفات، الشبهة تكون في الصفات، وتكون في القدر، فهذا مريض قلبه في القدر، وأيضا القلب قد يموت أيضا قد يموت القلب، كما قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} بالكفر {فَأَحْيَيْنَاهُ} بالإيمان، ومن علامة مرض القلب أنه لا يشعر بالمعاصي والمنكرات، لا تؤثر فيه ولا يتأثر ولا ينكر المنكر، ولا يؤلمه جراحات الجهل كونه جاهلا بالله وبأسمائه وصفاته كونه جاهلا بحقائق الإيمان، وبما يجب لله ما يتعلم، هذا دليل على أن القلب مريض، وبعض الناس يشعر بمرضه، لكن لا يستطيع تحمل مرارة الدواء، يعرف أن دواءه طلب العلم وسؤال العلماء ومزاحمة الطلبة في الركب، ولكنه لا يصبر على ذلك، لا يصبر على مرارة الدواء، فيبقى قلبه مريضا -نسأل الله السلامة والعافية.
ويل لمن كان لله في القدر خصيما، وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما، مريض مرض شبهة في القدر، كهؤلاء الذين يعترضون على الله من الجبرية وغيرهم، والذين ينفون حكمة الله كل هؤلاء قلوبهم مريضة سقيمة. نعم.