وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ
" ولا إله غيره " هذه هي كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " التي بعث الله بها المرسلين، وأنزل الله من أجلها الكتب، وخلق الخلق الخليقة من أجلها كما سبق "لا إله غيره" هو معنى "لا إله إلا الله "، ومعناها لا معبود بحق إلا الله، وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} .
هذا هو معنى كلمة التوحيد {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) } هذا النفي {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} هذا هو الإثبات، ومعنى كلمة التوحيد " لا إله غيره " هو معنى " لا إله إلا الله "، وإثبات التوحيد إنما هو بالنفي والإثبات، إثبات توحيد هذه الكلمة إنما هو بالنفي والإثبات المقتضي للحصر " لا إله إلا الله ".
ولهذا لما قال -سبحانه وتعالى-: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قال بعدها: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) } ؛ لأن الإثبات وحده يتطرق إليه احتمال تقول: "الله إله؟ "، يتطرق إليه احتمال، قد يخطر بخاطر شيطاني فيقول: إذا كان إلهنا الله فهل لنا إله غيره؟.
ولهذا قال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ثم قال بعدها: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) } فإذن إثبات التوحيد بهذه الكلمة إنما هو من أجل النفي والإثبات المقتضي للحصر، وليس هناك توحيد إلا بنفي وإثبات "لا إله غيره" لا بد من النفي والإثبات حتى يكون التوحيد، كفر وإيمان، كفر بالطاغوت وإيمان بالله عز وجل "لا إله" هذا كفر بالطاغوت، "إلا الله "هذا إيمان بالله.
نفي وإثبات ففيها كفر وإيمان كفر بالطاغوت "لا إله"، "إلا الله" إيمان بالله عز وجل تخلية ثم تحلية "لا إله" هذا تخلية، نفيت جميع الآلهة التي تعبد من دون الله ثم أثبت الألوهية لله عز وجل و "لا إله إلا الله " "لا" نافية للجنس، و"إله" اسمها، والخبر محذوف "لا إله حق إلا الله" التقدير " لا إله حق إلا الله "، والإله معناه المعبود، الإله معناه المعبود لا معبود بحق إلا الله.
وهذه الكلمة كلمة التوحيد لا تنفع صاحبها إلا بتحقيق شروطها التي دلت عليها النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا بد من العلم المنافي للجهل، لا بد من العلم المنافي للجهل، قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
ولهذا قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "بابٌ العلم قبل القول والعمل"، ثم استشهد بهذه الآية {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} لا بد من العلم، وقال -سبحانه-: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) } {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) } .
لا بد من العلم، العلم المنافي للجهل تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على نفي وإثبات، ولا بد أن تعرف الشيء الذي تنفيه، والشيء الذي تثبته، فهي تنفي الألوهية عن غير الله وتثبتها لله، تنفي جميع أنواع العبادة لغير الله وتثبتها لله عز وجل والعبادة هي اسم لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كل ما أمر به الشرع ونهى عنه الشرع. كل ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب يمتثل، وكل ما نهى عنه نهي تحريم أو تنزيه يترك، هذه هي العبادة طاعة لله وإخلاص له.
لا بد من العلم، ولا بد من اليقين يقولها عن يقين منافٍ للشك والريب إن قالها وعنده شك وتردد تَرَدَّدَ في أن الإله هو المعبود بحق لا تنفع هذه الكلمة، لا بد أن يقولها عن يقين منافٍ للشكِّ والريب، ولا بد من الصدق المانع من النفاق، فإن المنافقين يقولونها لكن لا يَصْدُقون.
يقولونها بألسنتهم وقلوبهم مكذِّبة، قال الله عز وجل {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) } {آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} بألسنتهم {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) } بقلوبهم، وقال سبحانه: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) } .