وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات
هذه الاعتبارات التي أطلقها المؤلف -رحمه الله- فيها إجمال وفيها احتمال وإلهام، ولهذا شراح الطحاوية الذين شرحوها قبل ابن أبي العز فسروها على ما يتأوله أهل الصفات، وهو يتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات هذه العبارات موهمة، وإن كان -رحمه الله- أراد معنى حسنا أراد بذلك نفي التشبيه وأن الله -تعالى- لا يماثل أحدا من خلقه ـ ولا يريد أن ينفي العلو ولكن بعضهم قال: إن مرادهم في العلو لا تحويه الجهات الست وهي معروفة الجهات الست الفوقية والتحتانية والأمام والخلف واليمين والشمال قال بعضهم: إن مراده أن ينكر علو الله وأن الله في العلو، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه كما سيأتي.
قال: محيط بكل شيء وفوقه عن الرب -سبحانه وتعالى- فهو أثبت الفوقية فلا بد أن يفسر أن يفسر كلامه المشتبه بكلامه الواضح فهو لا يقصد -رحمه الله- نفي العلو، وإنما أراد تنزيه الرب -سبحانه وتعالى- عن مشابهة المخلوقات لكن الأولى في مثل هذا ألا يطلق الإنسان هذه العبارات وأن يعتصم بالنصوص.
فالواجب الوقوف في باب أسماء الله وصفاته عند ما جاء في الكتاب والسنة نفيا وإثباتا، وينظر في هذا الباب يعني: باب الأسماء والصفات فما أثبته الله ورسوله أثبتناه وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي فيثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إلا المخاطب بها مثل هذه الألفاظ الذي ذكرها المصنف، ومثل المركب والجسم والحيز والجوهر والجهة والعرض والحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، وقد لا تحويه الجهات الست كل هذه الألفاظ مجملة ألفاظ تحتمل حقا وباطلا.
ولا ينبغي للإنسان أن يطلق مثل هذه الألفاظ بل يعتصم بنصوص الكتاب، نصوص الكتاب والسنة كافية، والناس لهم في مثل إطلاق هذه الألفاظ ثلاث أقوال طائفة من الناس تنفيها وتقول: ليس مركبا ولا جسما ولا حيزا ولا جوهرا ولا تحويه الجهة، وطائفة تثبتها وتقول: هو جوهر هو عرض، وطائفة تفصل وهم المتبعون للسلف الصالح فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين ما أثبت بها أن ما أثبت بها ثابت وما نفي بها فهو منفي؛ لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإيهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية هذه الألفاظ لم يرد بها نص من الكتاب ولا من السنة، فمثلا إذا قال: الله ليس مركبا نقول: ما مرادك بمركب، التركيب له معاني:
أحدها: التركيب لمتباينين فأكثر، ويسمى تركيب مزج كتركيب الحيوان من الطبائع الأربع والأعضاء يكون هذا المعنى منفيا عن الله.
والثاني: تركيب الجوار كمصراعي الباب ونحو ذلك نقول: لازم من إثبات صفات الله إثبات هذا التركيب.
الثالث: التركيب من الأجزاء المتماثلة ويسمونها الجواهر المفردة، وهذا يكون الجسم مركب من الجواهر المفردة، وهل يمكن التركيب من جزئين أو أكثر؟ كل هذا باطل لا يقال: إن صفات الله مركبة بهذا المعنى.
الرابع: التركيب من الهيولة الصورة كالخاتم مثلا هيولها الفضة وصورتها معروفة هذا لا يقال في صفة الله.
الخامس: التركيب من الذات والصفات هذا يسمونه تركيبا لأجل أن ينفوا به الصفات يقولون: هذا صحيح يقولون: الله مركب يعني: له ذات وصفات نقول: هذا صحيح الله له ذات وصفات لكن تسمية غير تسميتكم، وهذا تركيب باطل لا يعرف في اللغة ولا في استعمال الشرط فلا نوافقكم على هذه التسمية. السادس: التركيب من الماهية ووجوبها وهذا يرفضه الذهن، كذلك الجسم يقول: الله ليس بجسم نقول: ما مرادكم بجسم؟ يطلق الجسم على ما تركب من جزءين فصاعدا أو ما تركب من ثلاثة أجزاء ويقال: والحق أن لفظ جسم لفظ مجمل لا يثبت ولا ينفى إلا بعد الاستفسار، فإن أردتم بنفي الجسم نفي الصفات فهذا باطل، وإن أردتم به أن الله مستغنن عن غيره عال على خلقه بائن منهم فهذا حق لكن لا ينبغي التعبير بالجسمية لا تقولوا جسم وهو ليس بجسم الجوهر يقول: الله جوهر أو ليس بجوهر فما مرادكم بجوهر؟ يطلق الجوهر على ما يقابل العرض، ويطلق عند أهل الكلام على العين التي لا تقبل الانقسام، وكل هذا معاني باطلة فهي من الألفاظ المجملة، كذلك التحيز والحيز يراد بالتحيز الوجود في محل أو مكان والحيز المكان والمحل، وبهذا الكلام اصطلحوا على تسمية استواء الله على العرش وعلوه على خلقه تحيزا نقول: هذا باطل تسمية التحيز باطل، فالله مستو على عرشه، وأما تسمية التحيز فهذا باطل.