ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام
نعم لا تثبت قدم الإسلام إلا على التسليم، يعني على ظهر التسليم والاستسلام، يعني لا يثبت إسلام من لم يسلم بنصوص الوحيين، وينقدْ إليهما، ولا يعترض عليها، ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه، كما قال الإمام محمد بن شهاب الزُهري فيما رواه البخاري عنه: " من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، وهذا كلام جامع نافع، ولا نجاة للعقل إلا بتوحيد، بتوحيد الله عز وجل وتوحيد متابعة الرسول، فهما توحيدان لا نجاة للعبد إلا من عذاب الله إلا بهما، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهذين التوحيدين: توحيد المرسِل، وهو الله -سبحانه وتعالى-، وتوحيد متابعة الرسول فنوحِّد المُرسِل وهو الله بالعبادة والخضوع، والذل والأنابة والتوكل، ونوحِّد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحاكم إليه فلا نتحاكم إلى غيره، ولا نرضى بحكم غيره بل ننقاد لأمره -عليه الصلاة والسلام- ونتلقى خبره بالقبول والتصديق دون معارضه بخيال باطل نسميه معقولًا أو نجمله شبهة أو شكًّا، أو نقدَّم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، أو نتوقف على تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضِه على قول شيخ أو إمام أو لمذهب أو طائفة، فإن أذنوا نُفذ، وقُبل خبره، وإلا فُوض، هكذا يفعل الذين لم يستسلموا لنصوص الوحيين، بل الواجب التحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، ولا يمكن أن يكون العقل الصريح يخالف نقلًا صحيحًا، هذا لا يُمكن، فما جاءت به الشريعة يوافق العقول الصحيحة، ولا يمكن أن يخالف نقل صحيح عقلًا صريحًا أبدًا هذا لا يكون، لكن إذا جاء من ينكر ذلك فإن كان النقل صحيحًا فذلك الذي يدعي أنه معقول ليس عقلًا صريحًا، بل هو مجهول جهالة، ولو حقق النظر لظهر له ذلك، أما إذا كان النقل غير صحيح فإنه لا يصلح للمعارضة، بعض الناس يقول: إذا تعارض العقل، والنقل وجب تقديم النقل، إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن كلًّا من العقل والنقل مدلول والجمع بين المدلولين جمع بين
النقيضين، ورفعهما رفع النقيضين.
إذا تعارض العقل، والنقل فإنه يجب تقديم فإن كلا من العقل والنقل مدلول والجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع للنقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل، ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضًا للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضته شيء من الأشياء فكان تقديم العقل موجبًا عدم تقديمه، فلا يجوز تقديمه، وأهل الكلام وأهل البدع من معتزلة وغيرهم إنما أوتوا من تقديمهم العقل على النصوص، وتقديم العقل له آثار سيئة، له آثار.
تقديم العقل على النصوص له آثار في نقصان التوحيد فمن لم يسلم للرسول - عليه الصلاة والسلام- نقص توحيده، فإنه يقول برأيه وهواه وتقديم العقل على السمع تقديم للعقل على النصوص من مصادر الفساد في العالم، وذلك أن الفساد في العالم دخل من ثلاث فِرَق، إما من الملوك الجائرة، ومن علماء السوء، وأحبار السوء، ومن رهبان السوء وعُبَّاد السوء، من الملوك الظلمة، ومن العلماء المنحرفين، ومن الرهبان العُبَّاد الذين يتعبدون على جهل وضلال، فالملوك الجائرة يعترضون على الشريعة بالسياسات الجائرة، ويعارضونها بها ويقدمونها على حكم الله ورسوله، وعلماء السوء، وهم العلماء الخارجون عن الشريعة بآرائهم، وأقيستهم الفاسدة المتضمنة تحليل ما حرَّم الله ورسوله أو تحريم ما أباحه الله ورسوله، هؤلاء يقدمون، يخرجون عن الشريعة، ويقدمون آراءهم ومقاصدهم ناقصة وفاسدة على نصوص الوحيين، ورهبان السوء، وهم جهال المتصوفة الذين يعترضون على حقائق الإيمان والشرع بالأذواق والمواجين والخيالات والكشوفات الباطنة الشيطانية فالملوك الجورة، الجائرون يقولون: إذا تعارضت السياسة والشرع قدَّمنا السياسة، وعلماء السوء يقولون: إذا تعارض العقل والنقل قدَّمنا العقل، ورُهبان السوء، عباد السوء يقولون: إذا تعارض الذوق والكشف، وظاهر الشرع قدمنا الذوق والكشف.