الدليل الخامس: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أدخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم موعدا عند الله يريد أن ينْجزكموه فيقولون: ما هو؟ ، ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ قال: بلى فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة) رواه الإمام مسلم في صحيحه، هذه أمثلة من النصوص المتواترة، وهي كثيرة كما سبق رواها نحو ثلاثين صحابيًا في الصحاح والسنن والمسانيد، وهي صريحة في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ولما ساق العلامة ابن القيم -رحمه الله- هذه النصوص قال بعد ذلك فكأنك تشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك ويبلغه للأمة ولا شيء أقر لأعينهم منه، وشهدت الجهمية والفرعونية والرافضة والقرامطة والباطنية وفرق الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيد وساعدهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها، والله ناصر كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون. الرد عل شبه نفاة الرؤية
يقول: إن هؤلاء الجهمية والفرعونية والرافضة وغيرهم شهدوا بأن من أثبت الرؤية شهدوا بكفره شهدوا بأنه كافر وقالوا: إنه من أهل التشبيه والتجسيد، هل الجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم يكفرون من أثبت الرؤية من قال: إن الله يُرى في الآخرة يقولون:: كافر لماذا؟ قالوا: لأنه شبه الله بخلقه؛ لأنه جسد الذي يرى هو الجسم الذي يكون محدودا ومجسما الذين يكون محدود وجسم، أما الرب فلا يُرى فليس بجسم وليس محدود ليس له مكان يحصره فليس له مكان ولا يُرى، هكذا يقولون: فقالوا: من أثبت العلو وأن الله لو مكان وأثبت الرؤية فهو كافر لأنه مشبه ومجسم، فإذن هم أهل البدع يكفرون أهل السنة والجماعة ما موقف نفاة الرؤية من هذه النصوص؟ هل وقفوا مكتوفي اليدين؟ هل وقفوا مكتوفين؟ أو أجابوا عنها، أجابوا عن هذه النصوص من الكتاب والسنة تأولوها وحرفوها وقالوا: على لسان بشر المريسي بشر المريسي جهمي معتزلي جهمي قالوا: إن المراد بالرؤية في هذه الأحاديث الرؤية القلبية وهي العلم المراد الرؤية القلبية وهي العلم، فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (ترون ربكم كما ترون القمر) تعلمون أن لكم ربًا كما تعلمون أن هذا القمر قمرًا قالوا: المراد العلم (ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته) قالوا: المعنى تعلمون ربكم فيه لا تعتريكم فيه الشكوك والريب كما تعلمون في القمر أنه قمر وليس المراد الرؤية بالأبصار لكن أنتم أيها المشبهة يعنون أهل السنة توهمتم أن المراد الرؤية بالأبصار وهذا تشبيه منكم وتنقص للرب فليس المراد الرؤية بالبصر؛ لأن هذا تشبيه وتجسيد، وإنما المراد الرؤية بالقلب وقالوا: واللغة العربية تدل على ما قلنا فالعرب تقول للأعمى: ما أبصره! يعني ما أعلمه تقول للأعمى: ما أبصره! يعني ما أعلمه المراد العلم وتقول العرب: نظرت في المسألة وليس للمسألة جرم ينظر إليها وليس المراد الرؤية كما توهمون بالأبصار؛ لأن الله تفى ذلك عن نفسه
بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} والدليل على ما قلنا أن الرؤية بمعنى العلم نصوص كثيرة منها قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) } يعني ألم تعلم فدل على أن الرؤية في هذه النصوص المراد بها العلم هذا هو جواب نفاة الرؤية عن هذه النصوص.
أجاب أهل السنة عن هذا الاعتراض بأجوبة:
الجواب الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الرؤية في هذه الأحاديث برؤية البصر النبي صلى الله عليه وسلم قرن التفسير بالحديث فلم يدع لمتأول مقالًا فالتفسير مقرون بالحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر) وهذا صريح في رؤية العين رؤية البصر الثاني أن تفسير الرؤية بالعلم تفسير مخالف لتفسير النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه لم يؤثر عن عالم لم يفسر الرؤية في هذه الأحاديث بالعلم إلا جاهل ظالم فكيف يترك تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم المقرون بحديثه إلى تفسير جاهل ضال ليس له مستند ولا يؤثر عن عالم؟
الجواب الثالث: أن أهل اللغة أجمعوا على أن اللقاء إنما يكون معاينة بالأبصار، فنقل أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب نقل إجماع أهل اللغة أن المراد باللقاء في قول الله عز وجل {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} أن اللقاء هو المعاينة بالأبصار بسند صحيح فأجمع أهل اللغة على أن اللقاء هو المعاينة بالأبصار.