أنه قد أوتي علماً وافياً وحجة بالغة في مجادلة الخصوم، وأعطى مثلاً واضحاً للداعية في الأسلوب الذي ينبغي أن يحتذى به في إقناع الخصم من غير إثارة البغضاء والجدل. فرحم الله الشيخ الأمين رحمة واسعة.
أما السؤال الثاني:
فقد أورده -رحمه الله- بقوله: "اعلم إن قال معطل متنطع: إن القرآن العظيم نزل بلغة العرب، والاستواء في لغتهم هو هذا الذي نشاهده في استواء المخلوقين، فإثباته لله يستلزم التشبيه بالخلق بحسب الوضع العربي الذي نزل به القرآن"[1].
وقد رد -رحمه الله- على هذا السؤال، وبين بطلانه من وجهين:
الأول: أن المعترض لم يفرق بين الخالق والمخلوق، لكن العرب لم يقعوا في هذا الخطأ؛ فهم يعرفون ما بين الخالق والمخلوق من مباينة، وأن للخالق صفات تليق بعظمته، وهي صفات كمال لا نقص فيها، وللمخلوق صفات مناسبة تليق بما هو عليه من النقص والضعف؛ فقال -رحمه الله- موضحاً هذا المعنى: "الأول: أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم يعلمون كل العلم من معاني لغتهم أن بين الخالق والمخلوق، والرازق والمرزوق، والمحيي، والمميت والممات، إلى آخره فوارق عظيمة هائلة مستلزمة للاختلاف التام بين صفات الخالق والمخلوق والرازق والمرزوق. وأن أصل اللغة يقتضي أن تكون صفة كل منهما مناسبة لحاله؛ فعظمة صفة الخالق كعظمة ذاته، وانحطاط صفة المخلوق عنها كانحطاط ذاته عن عظمة ذاته. وما كان يلتبس ذلك على عوام المسلمين في زمنه صلى الله عليه وسلم, فما كان يخطر في عقولهم مشابهة صفة الخالق لصفة خلقه، بل يعلمون أن صفة الخالق لائقة به، وصفة المخلوق لائقة به، والفرق بينهما كالفرق بين الذات [1] آداب البحث والمناظرة 2/131. وانظر: أضواء البيان 7/449.