أسمائه تعالى الحق؛ فهو جل وعلا حق، وعبادته وحده حق. وجميع صفاته حق، وكل ما أثنى به على نفسه حق يقين. فمن ادعى على شيء من صفاته التي مدح بها نفسه أنها لا حقيقة لها متهجماً عليها بإدعائه أن ظاهرها المتبادر منها الكفر الذي هو مشابهة صفات الخلق. فالله جل وعلا حسبه، وسيجازيه الجزاء اللائق به"[1].... إلى أن قال -رحمه الله-: "وقد قال الإمام مالك -رحمه الله-: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فلو كان الاستواء لا حقيقة له عنده لما صرح بأن الإيمان به واجب، ولقال: إنه يجب تأويله بمعنى آخر، وأنه مجاز ولا حقيقة له" [2].
وقال -رحمه الله- أيضاً في معرض الرد عليهم: "إن أصل الحقيقة في اللغة التي نزل بها القرآن (فعلية) بمعنى: فاعل، من قول العرب: حق الشيء، بمعنى ثبت. أو بمعنى مفعول من حققت الشيء –بتخفيف القاف- إذا أثبته. وإذا علمت أن الحقيقة معناها من معنى مادة الثبوت، فثبوت صفات الله دلت عليه نصوص الوحي دلالة قاطعة لا نزاع فيها. فمعنى اتصافه بصفاته حقيقة بدلالة المطابقة: هو كونها ثابتة له حقاً. وهذا هو معنى نصوص الوحي، فلا زيادة فيه البتة على المعنى الذي دل عليه الوحي. وقد ذكرنا آنفاً أن من أسمائه الحق، وذلك مستلزم لأن صفاته كلها حق، وكل ما هو ثابت حقيقة فهو حق، وبهذا تعلم أن نفي الحقيقة عن بعض الصفات مستلزم لنفي ثبوتها، ونفي ثبوت ما أثبته الله لنفسه محادة له جل وعلا من حيث لا يشعر ذلك النافي. وأما نفي المجاز عن صفات الله فقد أوضحناه في رسالة مستقلة، ومن أوضح أدلته أن القائلين بالمجاز منذ نشأ المجاز مجمعون على أن من الفوارق بينه وبين الحقيقة في اصطلاح البيانيين أن كل [1] المعين والزاد ص43-44. [2] المعين والزاد ص45.