الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه.
(فالإيمان العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي. وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في الحديث الصحيح (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) [1] ففرق بين قتاله وسبابه. وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به، والآخر كفراً. ومعلوم إنما أراد الكفر العملي الاعتقادي [2] ، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان.
(وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمها فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار [3] ، وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان [4] فهؤلاء غلوا، وهؤلاء جفوا. وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل. فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم. وقال سفيان بن عيينة: عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى:
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون { [سورة المائدة: 44] . [1] صحيح مسلم (ج1/81) (ح64) كتاب الإيمان. [2] لعل ابن القيم يقصد قتال المسلمين مع بعضهم البعض كما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم، أما من يريد قتل المؤمنين ويشن الحرب على الإسلام والمسلمين فهذا لا شك في كفره المخرج من الملة. كما هو حال أعداء الإسلام الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة بل هدفهم (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) [النساء: 89] . [3] يريد فرقة الخوارج. [4] يقصد المرجئة.