المذكور.
وكذلك النّحر للأموات عبادة لهم، والنّذر لهم بجزء من المال عبادة لهم، والتّعظيم عبادة لهم، كما أنّ النّحر للنّسك وإخراج صدقة المال والخضوع والاستكانة عبادة لله ـ عَزّ وجلّ ـ بلا خلاف، ومَن زعم أنّ ثمّ فرقًا بين الأمرين؛ فليهده إلينا!
ومَن قال: إنّه لم يقصد بدعاء الأموات والنّحر لهم والنّذر عليهم عبادتَهم؛ فقل له: فلأيّ مقتضى صنعتَ هذا الصّنيع؟! فإنّ دعاءك للميّت عند نزول أمر بك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبّر عنه لسانك؛ فإن كنتَ تهذي نزول بذكر الأموات عند عروض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم؛ فأنتَ مصاب بعقلك!
وهكذا إن كنتَ تنحر لله؛ فلأيّ معنى جعلتَ ذلك للميّت، وحملتَه إلى قبره؟! فإنّ الفقراء على ظهر البسيطة في كلّ بقعة من بقاع الأرض! وفعلك وأنتَ عاقل لا يكون إلَّا لمقصد قد قصدتَه، أو أمر قد أردتَه؛ وإلا فأنتَ مجنون قد رُفِعَ عنك القلم! ولا نوافقك على دعوى الجنون إلَّا بعد صدور أفعالك وأقوالك في غير هذا على نمط أفعال المجانين؛ فإن كنتَ تصدرها مصدر أفعال العقلاء؛ فأنتَ تكذب على نفسك في دعواك الجنون في هذا الفعل بخصوصه؛ فرارًا عن أن يلزمك ما لزم عبّاد [الأصنام و] الأوثان الذين حكى عنهم الله في كتابه العزيز ما حكاه بقوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} ، وبقوله: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبًا ممّا رزقناهم تالله لتسألنّ عمّا كنتم تفترون} .
فإن قلتَ: إنّ المشركين كانوا لا يقرّون بكلمة التّوحيد، وهؤلاء المعتقدون في الأموات يقرّون بها!
قلتُ: هؤلاء إنّما قالوها بألسنتهم وخالفوها بأفعالهم؛ فإنّ مَن استغاث بالأموات،