responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 5  صفحه : 77
فعاندوه فَلَا معنى ويرضوا بِالْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِلَا سَبَب قَالُوا فَلَمَّا بَطل هَذَا صَحَّ أَن كل طَائِفَة إِنَّمَا تتبع أما مَا نشأت عَلَيْهِ وَأما مَا يخيل لأَحَدهم أَنه الْحق دون تثبيت وَلَا يَقِين قَالُوا وَهَذَا مشَاهد من أهل كل مِلَّة وَإِن كَانَ فِيهَا مَا لَا شكّ فِي سخافته وبطلانه وَقَالُوا أَيْضا إِنَّا نرى الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة قد طلبُوا علم الفلسفة وتبحروا ووسموا أنفسهم بِالْوُقُوفِ على الْحَقَائِق وبالخروج عَن جملَة الْعَامَّة وبأنهم قد اشرفوا على الصَّحِيح بالبراهين وميزو من الشغب والإقناع ونجد آخَرين قد تمهروا فِي علم الْكَلَام وأفنوا فِيهِ دهرهم ورسخوا فِيهِ وفخروا بِأَنَّهُم قد وقفُوا على الدلايل الصِّحَاح وميزوها من الْفَاسِدَة وَأَنَّهُمْ قد لَاحَ لَهُم الْفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل والحجج والإنصاف ثمَّ نجدهم كلهم يَعْنِي جمع هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ فلسفتهم وَكَلَامهم فِي أديانهم الَّتِي يقرونَ أَنَّهَا نجاتهم أَو هلكتهم مُخْتَلفين كاختلاف الْعَامَّة وَأهل الْجَهْل بل أَشد اخْتِلَافا فَمن يَهُودِيّ يَمُوت على يَهُودِيَّته وَنَصْرَانِي يتهالك عل نصرانيته وتثليثه ومجوسي يستميت على مجوسيته وَمُسلم يستقتل فِي إِسْلَامه ومنافي يستهلك فِي مانونيته ودهري يَنْقَطِع فِي دهريته قد اسْتَوَى العامى الْمُقَلّد من كل طَائِفَة فِي ذَلِك مَعَ الْمُتَكَلّم الماهر الْمُسْتَدلّ بِزَعْمِهِ ثمَّ نجد أهل هَذِه الْأَدْيَان فِي فرقهم أَيْضا كَذَلِك سَوَاء سَوَاء فَإِن كَانَ يَهُودِيّا فاما رباني يتقد غيظاً على سَائِر فرق دينه وَأما صائبي يلعن سَائِر فرق دينه وَأما عيسوي يسخر من سَائِر فرق دينه وَأما سامري يبرأ من سَائِر فرق دينه وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا فإمَّا ملكي يتهالك غيظاً على سَائِر فرق دينه وَأما نسطوري يقداسنا على سَائِر فرق دينه وَأما يعقوبي يسْخط على سَائِر فرق دينه وَإِن كَانَ مُسلما فإمَّا خارجي يسْتَحل دِمَاء سَائِر أهل مِلَّته وَأما معتزلي يكفر سَائِر فرق مِلَّته وَأما شيعي لَا يتَوَلَّى سَائِر فرق مِلَّته وَأما مرجئي لَا يرضى عَن سَائِر فرق مِلَّته وَأما سني ينافر فرق مِلَّته قد اسْتَوَى فِي ذَلِك الْعَاميّ والمقلد الْجَاهِل والمتكلم بِزَعْمِهِ الْمُسْتَدلّ وكل امْرِئ من متكلمي الْفرق الَّتِي ذكرنَا يَدعِي أَنه إِنَّمَا أَخذ مَا أَخذ وَترك مَا ترك ببرهان وَاضح ثمَّ هَكَذَا نجدهم حَتَّى فِي الْفتيا إِمَّا حنيفي يُجَادِل عَن حنيفيته وَإِمَّا مالكي يُقَاتل عَن مالكيته وَإِمَّا شَافِعِيّ يناضل عَن شافعيته وَإِمَّا حنبلي يضارب عَن حنبليته وَإِمَّا ظاهري يحارب ظاهريته وَإِمَّا متحير مستدل فهنالك جَاءَ التجازب حَتَّى لَا يتَّفق اثْنَان مِنْهُم على مائَة مَسْأَلَة إِلَّا فِي الندرة وكل امْرِئ مِمَّن ذكرنَا يزرى على الآخرين وَكلهمْ يَدعِي أَنه أشرف على الْحَقِيقَة وَهَكَذَا الْقَائِلُونَ بالدهر أَيْضا متباينون متنابذون مُخْتَلفُونَ فِيمَا بَينهم فَمن مُوجب أَن الْعَالم لم يزل وَإِن لَهُ فَاعِلا لم يزل وَمن مُوجب إزالية الْفَاعِل وَأَشْيَاء أخر مَعَه وَأَن سَائِر الْعَالم محدوث وَمن مُوجب إزالية الْفَاعِل وحدوث الْعَالم أمبطل للنبوات كلهَا كَمَا اخْتلف سَائِر أهل النَّحْل أَولا فرق قَالُوا فصح أَن جَمِيعهم إِمَّا مُتبع للَّذي نَشأ عَلَيْهِ والنحلة الَّتِي تربي عَلَيْهَا وَإِمَّا مُتبع لهواه قد تخيل لَهُ أَنه الْحق فهم على مَا ذكرنَا دون تَحْقِيق قَالُوا فَلَو كَانَ للبرهان حَقِيقَة لما اخْتلفُوا فِيهِ هَذَا الِاخْتِلَاف ولبان على طول الْأَيَّام وكرور الزَّمَان ومرور الدهور وتداول الأجيال لَهُ وَشدَّة الْبَحْث وَكَثْرَة ملاقاة الْخُصُوم ومناظراتهم وإفنائهم الْأَوْقَات وتسويدهم الْقَرَاطِيس واستنفاذ وسمعهم وَجَهْدهمْ أَيْن الْحق فيرتفع الْإِشْكَال بل الْأَمر وَاقِف بِحَسبِهِ أمتزيد فِي الِاخْتِلَاف وحدوث التجاذب وَالْفرق قَالُوا وَأَيْضًا فَإنَّا نرى الْمَرْء الْفَهم الْعَالم النَّبِيل الْمُتَيَقن فِي عُلُوم الفلسفة وَالْكَلَام وَالْحجاج المستنفذ لعمره فِي طلب الْحَقَائِق المؤثرة للبحث عَن الْبُرْهَان على كل مَا سواهُ من لَذَّة أَو مَال أَو جَاءَ المستفرغ لقُوته فِي ذَلِك النافر عَن التَّقْلِيد يعْتَقد مقَالَة وَمَا يناظر عَنْهَا ويحاجج دونهَا ويدافع أمامها ويعادي من خالفها مجداً فِي ذَلِك موقناً بصوابه وَخطأ من خَالفه منافراً لَهُ مضللاً أَو مكفراً فَيبقى كَذَلِك الدَّهْر الطَّوِيل

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 5  صفحه : 77
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست