responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 56
الْأَعْرَاض تجْرِي على صِفَات الْفَاعِل وَنحن نجد الْحَكِيم لَا يقدر على الطيش وَالْبذَاء وَإِن الطياش البذي لَا يقدر على الْحيَاء وَالصَّبْر والسيء الْخلق لَا يقدر على الْحلم والحليم لَا يقدر على النرق والسخي لَا يقدر على الْمَنْع والشحيح لَا يقدر على الْجُود وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} فصح أَن من النَّاس موقى شح نَفسه مفلحاً وَغير موقي وَلَا مُفْلِح وَكَذَلِكَ الزكي لَا يقدر على البلادة والبليد لَا يقدر على الزكا والحافظ لَا يقدر على النسْيَان وَالنَّاسِي لَا يقدر على ثبات الْحِفْظ والشجاع لَا يقدر على الْجُبْن والجبان لَا يقدر على الشجَاعَة هَكَذَا فِي جَمِيع الْأَخْلَاق الَّتِي عَنْهَا تكون الْأَفْعَال فصح ان ذَلِك خلق لله تَعَالَى لَا يقدر الْمَرْء على إحاطة شَيْء من ذَلِك أصلا حَتَّى أَن مخرج صَوت أَحَدنَا وَصفَة كَلَامه لَا يقدر الْبَتَّةَ على صرفه كَمَا خلق عَلَيْهِ من الجهارة والخفاء أَو الطّيب والسماحة وَكَذَلِكَ خطه لَا يُمكنهُ صرفه عَمَّا رتبه الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَلَو جهد وَهَكَذَا جَمِيع حركات الْمَرْء حَتَّى وَقع قَدَمَيْهِ ومشيه فَلَو كَانَ هُوَ خَالق كل ذَلِك لصرفه كَمَا يَشَاء فَإِذا لَيْسَ فِيهِ قُوَّة على صرف شَيْء من ذَلِك عَن هَيئته فقد ثَبت ضَرُورَة أَنه خلق الله تَعَالَى فِيمَن نسب فِي اللُّغَة إِلَى أَنه فَاعله وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأَكْثَرت الْمُعْتَزلَة فِي التولد وتحيرت فِيهِ حيرة شَدِيدَة فَقَالَت طَائِفَة مَا يتَوَلَّد عَن فعل الْمَرْء مثل الْقَتْل والألم الْمُتَوَلد عَن رمي السهْم وَمَا أشبه ذَلِك فَإِنَّهُ فعل الله عز وَجل وَقَالَ بَعضهم بل هُوَ فعل الطبيعة وَقَالَ بَعضهم بل هُوَ فعل الَّذِي فعل الْفِعْل الَّذِي عَنهُ تولد وَقَالَ بَعضهم هُوَ فعل لَا فَاعل لَهُ وَقَالَ جَمِيع أهل الْحق أَنه فعل الله عز وَجل وخلقه فالبرهان فِي ذَلِك هُوَ الْبُرْهَان الَّذِي ذكرنَا فِي خلق الْأَفْعَال من أَن الله تَعَالَى خَالق كل شَيْء وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي التَّعْدِيل والتجوير قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله هَذَا الْبَاب هُوَ أصل ضَلَالَة الْمُعْتَزلَة نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك على أننا رَأينَا مِنْهُم من لَا يرضى عَن قَوْلهم فِيهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَذَلِكَ أَن جمهورهم قَالُوا وجدنَا من فعل الْجور فِي الشَّاهِد كَانَ جائراً وَمن فعل الظُّلم كَانَ ظَالِما وَمن أعَان فَاعِلا على فعله ثمَّ عاقبه عَلَيْهِ كَانَ جائراً عابثاً قَالُوا وَالْعدْل من صِفَات الله تَعَالَى وَالظُّلم والجور منفيان عَنهُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا ظلمونا وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا كَانَ الله ليظلمهم} وَقَالَ تَعَالَى {لَا ظلم الْيَوْم}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد علم الْمُسلمُونَ أَن الله تَعَالَى عدل لَا يجور وَلَا يظلم وَمن وَصفه عز وَجل بالظلم والجور فَهُوَ كَافِر وَلَكِن لَيْسَ هَذَا على مَا ظَنّه الْجُهَّال من أَن عُقُولهمْ حاكمة على الله تَعَالَى فِي أَن لَا يحسن مِنْهُ إِلَّا مَا حسنت عُقُولهمْ وَأَنه يقبح مِنْهُ تَعَالَى مَا قبحت عُقُولهمْ وَهَذَا هُوَ تَشْبِيه مُجَرّد لله تَعَالَى بخلقه إِذْ حكمُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَعَالَى يحسن مِنْهُ مَا حسن منا ويقبح مِنْهُ مَا قبح منا وَيحكم عَلَيْهِ فِي الْعقل بِمَا يحكم علينا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا مَذْهَب يلْزم كل من قَالَ لما كَانَ الْحَيّ فِي الشَّاهِد لَا يكون إِلَّا بحياة وَجب أَن يكون الْبَارِي تَعَالَى حَيا بحياة وَلَيْسَ بَين الْقَوْلَيْنِ فرق وَكِلَاهُمَا لَازم لمن الْتزم

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست