2 - الحديث:
وقد كان أشهر الجوانب التي نبغ فيها البيهقي على الإطلاق، إذ كرس جهده لخدمة هذا العلم الجليل فحقق ودقق، وصنف المجلدات الضخام التي تشهد بغزارة علمه، وسعة اطلاعه.
وقد كانت للبيهقي بين علماء الحديث مكانة لا تسامى، ولا أدل على مكانته تلك من استحقاقه للقب الحافظ، وهو لقب لم يظفر به إلاّ عدد قليل من المحدثين، رغم أن الكثير ممن لم يحظوا بإطلاق هذا اللقب عليهم محدثون عظام لا يستهان بهم.
إلاّ أن البيهقي يعد من أكثر رواد هذا الفن حفظاً إتقاناً، فقد كان إنتاجه الغزير في هذا الجانب من أهم المصادر التي اعتمدها طلابه، مما يشهد بغزارة علمه ورسوخ قدمه، وإمامته في هذا المجال.
ولم يكن مجرد جمع الحديث هو الهدف الوحيد للبيهقي، بل اتجه إلى جانب ذلك، لنقد رجاله، حتى ينفي عنه ما ليس منه، ويبين صحيحه من سقيمه، إذ العدالة في راوي الحديث أمر لابد منه، بل هي - عند البيهقي - ألزم من عدالة الشهود، ويوضح هذا المبدأ بقوله: "إن القاضي إذا توقف في قبول شهادة من لا يعرفه على درهم حتى يعرفه، فأولى بنا أن نقف في رواية من لا نعرفه في مثل هذا الأمر العظيم حتى نعرفه"[1].
وكان دائم الحرص على أن لا تتضمن كتبه إلاّ ما صح من الأخبار وإن اشتملت على غير ذلك، فمع بيان شاف لدرجة ذلك الخبر، حتى يكون التمييز بين صحيح الأخبار، وحسنها، وضعيفها واضحاً. ولذلك يقول: [1] القراءة خلف الإمام ص: 127.