فإثبات وجود الله مثلاً - وهو من أكبر قضايا العقيدة - كان المنهج فيه بين المتكلمين والفلاسفة محل اتفاق، إذ اتفقوا جميعاً على أن الإيمان بوجود الله تعالى، لا يكون إلاّ باستخدام العقل، والاعتماد عليه[1].
وهو أمر سيتضح لنا في موضعه من هذا البحث إن شاء الله.
والبيهقي - رحمه الله - وإن اعترف للعقل بفضله ومكانته في إثبات هذه القضية، إلاّ أن الطرق العقلية التي سلكها في هذا المجال شرعية أيضاً، لأن الشرع أرشد إليها، ونبه الخلق عليها، مثل طريقي النظر في الملكوت وفي الأنفس، كما سلك طريق المعجزة، وكلّها طرق شرعية صحيحة إلاّ أنه أضاف إليها طريق الحدوث، وهو طريق سليم لا غبار عليه، لولا ما صاحبه من استدلال بحدوث الأعراض على حدوث الجواهر، وهو استدلال قرره المتكلمون، ووافقهم عليه البيهقي، إلاّ أنه لم يجعله أصلاً كما جعلوه بل وافق على إمكان سلوكه للاستدلال على وجود الله تعالى، مع أنه يرى أن طريقي النظر أولى بدليل فرط عنايته بهما، كما سيتبين لنا ذلك فيما بعد إن شاء الله.
وإذا كان هذا هو منهج الييهقي في إثبات قضية الوجود فإن منهجه في إثبات الأسماء والصفات رسم له حدوداً واضحة المعالم، إذ قال في إثبات أسماء الله تعالى: "إثبات أسماء الله تعالى ذكره بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة"[2]. [1] انظر: المصدر نفسه ص: 11. [2] الأسماء والصفات ص: 3.