المتأخرين من الكلابية وغيرهم ممن يريد أن ينصر ما اشتهر عن أهل السنة والحديث من قولهم: أنا مؤمن إن شاء الله؛ ويريد مع ذلك أن الإيمان لا يتفاضل، ولا يشك الإنسان في الموجود منه وإنما يشك في المستقبل" [1].
فدعوى أن الإيمان المعتبر عند الله هو ما يوافي عليه العبد ربه، وأنه لا عبرة به قبل ذلك غير صحيحة، وطرد هذا أن الكافر ليس بكافر في الحال إلا بشرط أن يموت على الكفر، ثم إن هذا المعنى ليس هو تعليل السلف فهم لم يوجبوا الاستثناء لأجل هذا، وإنما قالوا بوجوبه خشية تزكية الإنسان لنفسه بدون علم. فالموافاة عندهم شرط بالفوز ودخول الجنة، لا شرط في ثبوت الإيمان في الحال.
وهناك مأخذ ثان: وهو أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك ما نهاه عنه كله، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا الاعتبار فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين القائمين بجميع ما أمروا به، وترك كل ما نهوا عنه فيكون من أولياء الله [2].
فهذا المأخذ يقتضي وجوب الاستثناء لكن لا يمنع من ترك الاستثناء إذا أريد أصل أو مطلق الإيمان. وقول الطائفتين خطأ. القول بتحريم الاستثناء مطلقا أو وجوبه مطلقا، والمذهب الحق هو الوسط؛ فلا إفراط ولا تفريط وهو الذي عليه السلف؛ فأجازوا الاستثناء باعتبار، ومنعوه باعتبار آخر، فأجازوه خوف تزكية الإنسان نفسه، ومنعوه إذا أراد المستثني الشك في أصل إيمانه [3]. [1] مجموع الفتاوى 7/430. [2] مجموع الفتاوى 7/446. [3] انظر كتاب الشريعة ص136، شرح العقيدة الطحاوية ص334.