فأنت ترى أن المراد من الإيمان في هذه الآية ليس إلا تصديق القلب وإيقانه وإذعانه، فهاتان الآيتان تدلان على زيادة التصديق نفسه، إذ ليس هنا قطعا زيادة الأعمال.
وأما من السنة فمنها ما رواه أحمد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الخبر كالمعاينة إن الله أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت" [1].
وحديث الشفاعة الكبرى المتواتر وفيه 2:
فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان ... فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان" [3].
ولا شك أن المراد من الإيمان في هذا الحديث في القلب، لأن ما في القلب ليس إلا التصديق لا غير. فهذا الحديث صريح في أن التصديق القلبي قد ينقص إلى حد يصل إلى مثقال ذرة أو خردلة، وقد يصل إلى حد يكون أدنى من مثقال حبة خردل، فدل على أن التصديق نفسه يتفاوت يزيد وينقص. وأما لآثار عن سلف هذه الأمة فمنها قول [1] أخرج الإمام أحمد في المسند 1/271؛ والحاكم في المستدرك 2/321، كلاهما من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال الحاكم على أثره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص والألباني في مشكاة المصابيح 3/1599.
2 انظر قطف الأزهار المتناثرة للسيوطي ص303؛ ولقط اللآلئ المتناثرة للزبيدي ص75-78؛ ونظم المتناثر للكتاني ص233. [3] أخرجه البخاري كتاب التوحيد باب كلام الرب عزَّ وجلَّ 13/473 ح"7510"، ومسلم كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/182، 183 ح"326" كلاهما من طريق معبد بن هلال عن أنس بن مالك.