لم يكن المنتهي عن الكفر منتهيا عنه ما لم يأت بجميع الطاعات ...
فالجواب عنه:
إن معنى قول الله تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [1] أن هؤلاء المشركين والكفرة إن تابوا إلى الله عن شركهم وكفرهم وقتال المؤمنين وعداوتهم ودخلوا في الإسلام والتزموا الطاعة وانقادوا لأوامر الله؛ يغفر لهم ما قد سلف من الكفر والشرك.
وليس معنى الآية: أن الله تعالى لا يغفر لهم إلا أن يأتوا بجميع الطاعات دفعة واحدة في آن واحد، لأن هذا ليس في طاقة البشر، فلا يستطيع أحد أن يأتي بطاعات جميع العمر دفعة واحدة، وإنما عليهم أن يلتزموا الطاعة وينقادوا ويتعهدوا الإتيان بالأوامر واجتناب النواهي، وهذه التوبة وهذا الالتزام هما من الأعمال وهما شرط في مغفرة ما قد سلف منهم ولا مخرج لهم من الكفر إلا بذلك، فليزم أن تكون هذه الأعمال من الإيمان وعلى هذا فالآية حجة عليهم لا لهم وهي كذلك لا تنفي تسمية سائر الأعمال إيمانا.
فالحاصل أن هذه الآية لا تدل على خروج الأعمال عن الإيمان كما أنها لا تدل على الإتيان المأمورات دفعة واحدة، وإنما فيها بيان لشرط العفو عنهم والمغفرة لهم، وهو أن يتوبوا من الشرك والكفر ويدخلوا في الإسلام ويخضعوا لأوامر الله تعالى وينقادوا لحكمه. [1] انظر تفسير هذه الآية في جامع البيان للطبري 9/247؛ ومعالم التنزيل 2/248؛ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/309؛ وتيسير الكريم المنان 3/167، وتفسير القاسمي محاسن التأويل 8/55.