أن أبا حنيفة قال له: "جئت أم جيء بك؟ قال: بل جئت باختياري فقال: اجلس فجلس، فقال أبو حنيفة جلستَ أو أُجلست؟ قال: بل جلست باختياري فقال له: قم، فقام القدري فقال له أبو حنيفة: ارفع إحدى رجليك فرفعها فقال له: رفعت أو رُفعت لك قال: بل رفعتها قال: فإن كان كما زعمت؛ فكل هذه الأفعال منك وباختيارك فارفع الرجل الأخرى قبل أن تضع الأولى، فتحير القدري" [1].
وناظر أبو حنيفة جماعة من القدرية حيث أتوا إليه فقالوا له: "نخاصمك قال: فيم تخاصمونني قالوا: في القدر، قال: أما علمتم أن الناظر في القدر كالناظر في شعاع الشمس، كلما ازداد نظرا ازداد حيرة..أو قال تحيرا. قالوا: ففي القضاء والعدل، قال: فتكلموا على اسم الله فقالوا: هل يسع أحدا من المخلوقين أن يجري في ملك الله ما لم يقض؟ قال: لا، إلا أن القضاء على وجهين، منه أمر وحي والآخر قدرة، فأما القدرة فإنه لا يقضي عليهم ويقدر لهم الكفر، ولم يأمر به بل نهى عنه، والأمر أمران أمر الكينونة إذا أمر شيئا كان وهو على غير أمر الوحي. قالوا فأخبرنا عن أمر الله أموافق لإرادته أم مخالف؟ قال: أمره من إرادته وليس إرادته من أمره. وتصديق ذلك قول الله عزَّ وجلَّ لإبراهيم: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} "سورة الصافات: الآية102".
ولم يقل ستجدني صابرا من غير إن شاء الله؛ فكان ذلك أمره ولم يكن من إرادته ذبحه.
قالوا: فأخبرنا عن اليهود والنصارى الذين قالوا على الله عزَّ وجلَّ [1] من كتاب الكنز الخفي من اختيارات الصفي ق "135/ب".