ومن تلك المناظرات ما ذكره الموفق المكي في كتابه مناقب الإمام أبي حنيفة حيث قال: "إن الخوارج لما ظهروا على الكوفة أخذوا أبا حنيفة فقالوا: تب يا شيخ من الكفر، فقال أنا تائب إلى الله من كل كفر فخلوا عنه، فلما ولّى قيل لهم: إنه تاب من الكفر، وإنما يعني به ما أنتم عليه فاسترجعوه. فقال رأسهم: يا شيخ إنما تبت من الكفر، وتعني به ما نحن عليه؟ فقال أبو حنيفة: أبظن تقول هذا أم بعلم؟ فقال: بل بظن. فقال أبو حنيفة: إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} "سورة الحجرات: الآية12".
وهذه خطيئة منك، وكل خطيئة عندك كفر، فتب أنت أولا من الكفر. فقال: صدقت يا شيخ أنا تائب من الكفر" [1].
ولما بلغ الخوارج أن أبا حنيفة لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب؛ أوفدوا من يناظره فقالوا له: "هاتان جنازتان على باب المسجد أما إحداهما فلرجل شرب الخمر حتى كظَّته [2] وحشرج [3] بها فمات غرقا في الخمر، والأخرى امرأة زنت حتى إذا أيقنت بالحمل قتلت نفسها فقال لهم أبو حنيفة: من أي الملل كانا؟ أمن اليهود؟ قالوا: لا، أفمن النصارى؟ قالوا: لا، قال: أفمن [1] مناقب أبي حنيفة للمكي ص151، 152. [2] كظته: هو شيء يعتري البطن من امتلاء الطعام يقال: كظه الطعام حتى لا يطيق على النفس.
انظر تهذيب اللغة 9/439، 440؛ والقاموس المحيط 4/57. [3] حشرج: ردد نفسه في حلقه يقال: حشرج المحتضر عند الموت وحشرجت روحه عند صدره أوشك أن يموت.
انظر الصحاح 1/306؛ والمعجم الوسيط 1/175.