responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : وحي القلم نویسنده : الرافعي ، مصطفى صادق    جلد : 1  صفحه : 224
نحن فيها، كأن لم تكن شيئًا؛ وتجلى سحر مصر في أقوى سَطْوته وأشدها فأخذَنا كلينا، فما استشعرنا ساعتئذ إلا أن أوروبا العظيمة كأنما كانت موسومة على ورقة، فطويناها وأحللنا مصر في محلها.
وطغى علينا نازع الطرب طغيانًا شديدًا، فأرسلتُ من يجمع الإخوان المصريين، واخترت لذلك صديقًا شاعر الفطرة، فنزا به الطرب، فكان يدعوهم وكأنه يؤذن فيهم لإقامة الصلاة. وجاءوا يهرولون هرولة الحجيج، فلو نطقت الأرض الفرنسية التي مشوا عليها تلك المِشْية لقالت: هذه وطأة أسود تتخيل خيلاءها من بغي النشاط والقوة.
ألا ما أعظمك يا مصر، وما أعظم تعنتك في هذا السحر الفاتن! أينبغي أن يغترب كل أهلك حتى يدركوا معنى ذلك الحديث النبوي العظيم: "مصر كنانة الله في أرضه" فيعرفوا أنكِ من عزتك معلقة في هذا الكون تعليق الكنانة في دار البطل الأروع؟
قال "الدكتور محمد": واجتمعنا في الدار التي أنزل فيها، فراع ذلك صاحبة مثواي[1]. فقلت لها: إن ههنا ليلة مصرية ستحتل ليلتكم هذه في مدينتكم هذه، فلا تجزعوا. ثم دعوتها إلى مجلسنا لتشهد كيف تستعلن الروح المصرية الاجتماعية برقتها وظرفها وحماستها، وكيف تفسر هذه الروح المصرية كل جميل من الأشياء الجميلة بشوق من أشواقها الحنانة، وكيف تكون هذه الروح في جو موسيقيّتها الطبيعية حتى تناجي أحبابها، فيجيء حديثها بطبيعته كأنه ديباجة شاعر في صفائها وحلاوتها ورنين ألفاظها؟
وقالت السيدة الظريفة: يا لها سعادة! سأتخذ زينتي، وأصلح من شأني، وأكون بعد خمس دقائق في مصر!
قال الدكتور: وأخذنا في شأننا، وكان معنا طالب حسن الصوت، فقام إلى البيانة[2] وغنى مقطوعة "طقطوقة" مصرية من هذه المقاطيع التي تطقطق فيها النفس، فجعل يمطل صوته بآه وآه ودار اللحن دورة تأوهت فيها الكلمات كلها. ثم اعتور البيانة طالب آخر فما شذ عن هذه السنة، وكان بعد الأول كالنائحة

[1] صاحبة المثوى هي ربة البيت الذي ينزل فيه الضيف ومن كان في حكمه، يقول العربي: من كانت صاحبة مثواك؟ فتطلق على صاحبة البنسيون.
[2] البيانة: كلمة استعملناها في كتابنا "السحاب الأحمر" للبيانو، وتجمع على بيانات.
نام کتاب : وحي القلم نویسنده : الرافعي ، مصطفى صادق    جلد : 1  صفحه : 224
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست