responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : وحي القلم نویسنده : الرافعي ، مصطفى صادق    جلد : 1  صفحه : 223
وكأنما هربت ثم أدركها، وكأنما فرت ثم أمسكها. وبين القبلة والقبلة هجران وصلح، وبين اللفتة واللفتة غضب ورضى.
وهذا ضرب من الحب يكون في بعض الطبائع الشاذة المسرفة، التي أفرطت عليها الحياة إفراطها فيلف الحيوانية بالإنسانية، ويجعل الرجل والمرأة كبعض الأحماض الكيماوية مع بعضها؛ لا تلتقي إلا لتتمازج، ولا تتمازج إلا لتتحد ولا تتحد إلا ليبتلع وجود هذا وجود ذاك.
وضرب الدهر من ضرباته في أحداث وأحداث؛ فأبغضته وأبغضها، وفسدت ذات بَيْنهما، وأدبر منها ما كان مقبلًا؛ فوثب كلاهما من وجود الآخر وثبة فزع على وجهه, أما هو فسَخِطها لعيوب نفسها، وأما هي ... وأما هي فتكرهته لمحاسن غيره!
وانسربت أيام ذلك الحب في مساريها تحت الزمن العميق الذي طوى ولا يزال يطوي ولا يبرح بعد ذلك يطوي؛ كما يغور الماء في طباق الأرض. فأصبح الرجل المسكين وقد نزلت تلك الأيام من نفسه منزلة أقارب وأصدقاء وأحباء ماتوا بعضهم وراء بعض، وتركوه ولكنهم لم يبرحوا فكره، فكانوا له مادة حسرة ولهفة. أما هي ... أما هي فانشق الزمن في فكرها برَجَّة زلزلة، وابتلع تلك الأيام ثم التأم!
فحدثنا "الدكتور محمد"* رئيس جماعة الطلبة المصريين في مدينة ... بفرنسا، قال: "وانتهى إلي أن صاحبنا هذا جاء إلى المدينة وأنه قادم من مصر، فتخالجني الشوق إليه، ونزعت إلى لقائه نفسي، وما بيننا إلا معرفتي أنه مصري قدم من مصر؛ وخيل إلي في تلك الساعة مما اهتاجني من الحنين إلى بلادي العزيزة، أن ليس بيني وبين مصر إلا شارعان أقطعهما في دقائق؛ فخففت إليه من أقرب الطرق إلى مثواه، كما يصنع الطير إذا ترامى إلى عشه فابتدره من قُطْر الجو.
قال: وأصبتُه واجمًا يعلوه الحزن، فتعرفت إليه، فما أسرع ما ملأ من نفسي وما ملأت من نفسه. وكما يمّحي الزمان بين الحبيبين إذا التقيا بعد فرقة, يتلاشى المكان بين أهل الوطن الواحد إذا تلاقوا في الغربة. فدابت المدينة الكبيرة التي

* هو ولده الدكتور محمد الرافعي، وكان يدرس وقتئذ في جامعة ليون، وقد أنشأ من أجله هذه القصة لتكون رسالة إليه برأيه في موضوع بخصوصه.
نام کتاب : وحي القلم نویسنده : الرافعي ، مصطفى صادق    جلد : 1  صفحه : 223
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست