responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نضرة الإغريض في نصرة القريض نویسنده : العلوي الحسيني، المظفر بن الفضل    جلد : 1  صفحه : 81
وخرج الجحّافُ الى قومِه وقال لهم: إنّ عبدَ الملك قد ولاّني بلادَ بني تغلبَ. وزوّرَ كتاباً، وحَشا جُرباً تراباً، وزعم أنه مالٌ، ورحلَ بهم متأهّبينَ فلما أشرفَ على بلادِ بني تغلب خَبَّرهُم بحقيقةِ الأمرِ وأنشدَهُم بيتَ الأخطلِ وقال: إنّما غضبتُ لكم فاثأروا بقومِكم. فشدّوا على بني تغلب بالبِشْرِ ليْلاً وهم غارّونَ غافلون آمنون، فقتلَ منهم مقتلةً عظيمةً وهرَبَ الأخطلُ من ليلتِه مُستَغيثاً بعبدِ الملكِ فلما دخلَ عليه أنشدَهُ:
لقدْ أوقَعَ الجحّافُ بالبِشْر وَقْعَةً ... الى اللهِ منها المُشْتَكى والمُعَوَّلُ
فإلاّ تُغَيّرُها قُرَيْشٌ بمُلكِها ... يكُنْ عن قُرَيشٍ مُستمازٌ ومَزْحَلُ
فقال له عبدُ الملك: الى أين يا بنَ اللّخْناء؟ فقال: الى النار يا أميرَ المؤمنين، فقال: واللهِ لو قلتَ غيرَها قطعتُ لسانَك. ثم إنّ الجحّافَ لَقي الأخطلَ بعد ذلك فقال:
أبا مالِكٍ هل لُمْتَني إذا حَضَضْتَني ... على القتلِ أمْ هل لامني لكَ لائِمُ
فهذا ما استجلَبَهُ الأخطلُ على قومِه وجناهُ عليهم بكلمةٍ ما كان أغناهُ عنها وأقدرَهُ على تركِها. ومَنْ كان عندَه من القوّةِ أن يُحرِّضَ بما حرّضَ به ما كان يليقُ أن يكونَ عندَه من الخَوَرِ ما يوجبُ قولَه: لقد أوقعَ الجحّاف ... البيت.
ولما أنشدَ جريرٌ عبدَ الملكِ قولَه:
أتَصْحو أمْ فؤادُكَ غيرُ صاحِ
قال له: بلْ فؤادُك يا بنَ اللّخْناء. فلمّا بلغَ قولَه:
تشكّتْ أمُّ حَرْزَةَ ثم قالتْ ... رأيتُ المورِدينَ ذَوي لِقاحِ
قال له: لا أروى اللهُ عَيْمتَها ثم أخرجَهُ خائباً، وكان سبَبُه ما بدأ به.
وينبغي للشاعرِ ألا يُسيءَ أدَبَهُ في خطابِ الممدوحِ ويتجنّبَ ما تسبقُ إليهِ الظّنّةُ في مثلِ قول أبي نواس:
سأشكو الى الفضلِ بنِ يحيى بن خالدٍ ... هَواها لعلّ الفضلَ يجمعُ بيْنَنا
فقال له الفضل: ويلك أما وجدتَ غيري يجمعُ بينكما؟، فقال: يا مولايَ إنّما وجمْعُ تفَضُّلٍ لا جمْعُ توصُّلٍ. ولَعمري إنّ له وجهاً يعلَّلُ به، ولقد كان عن التُهمةِ فيه غنيّاً. وتبعَهُ فيه أبو الطيبِ فجعلَ مكانَ الجمعِ الشفاعةَ. والجمعُ قد يكون بصلاتِ الممدوح، والشفاعة فلا تُؤَوّل بذلكَ، ففسدَ عليه المعنى بلفظة الشفاعة.
ومدح جرير بشرَ بنَ مروانَ بقصيدةٍ منها:
يا بشْرُ حُقَّ لوجهِكَ التبشيرُ ... هلاّ غضِبْتَ لَنا وأنتَ أميرُ
قد كانَ حقُّكَ أنْ تقول لبارِقٍ ... يا آلَ بارِقَ فيمَ سُبَّ جريرُ؟
فقال له بِشرٌ: قبّحَكَ اللهُ يا بنَ المَراغَة، أما وجدتَ رسولاً غيري؟! وقد أخذَ بلال على ذي الرُمّة كلمةً هي دونَ هذا المأخذِ لمّا أنشدَه:
سمِعتُ: الناسُ ينْتَجِعون غيْثاً ... فقلتُ لصَيْدَحَ: انْتَجِعي بلالا
تُناخي عندَ خيْر فتى يمانٍ ... إذا النكباءُ ناوَحَتِ الشِّمالا
صيدحُ اسمُ ناقتِه. فقال بلال: يا غلام مُرْ لَها بالقتِّ والنّوَى يريدُ أنّ ذا الرُمّة لا يُحسنُ المدحَ. وأقول: إنّهُ لم ينصِفْ ذا الرُمّة في ذلك؛ لأن الكلامَ يُحتَملُ أنّهُ أراد: فقلتُ لصاحبِ صَيْدَح، ويريدُ نفسَه، كما قال الحارثي:
وقفتُ على الديارِ فكلّمَتْني ... فما ملَكَتْ مدامِعَها القَلوصُ
يريدُ صاحبَ القَلوص وعنى نفسَهُ قال الله تعالى: (واسألِ القريةَ) أي أهلَ القرية. وإذا كان هذا التأويلُ ممكناً فلا نقْصَ على ذي الرمّة بإنكارِ بلالٍ.
ولقائلٍ أن يقول: فهلاّ اعتذرَ ذو الرُمّة عن نفسِه وقد قابله بلال بردّه؟ والجوابُ عن ذلك أنّ الحاكي لم يقُلْ: إنّ ذا الرُمّة ما اعتذرَ عن نفسِه ولا منع من ذلك، وإنّما كان قصدُهُ حكايةَ قولِ بلال. ويجوزُ أن يكونَ ذو الرُمّةِ قد اعتذرَ الى بلالٍ بذلك أو بغَيْرِه وافلجَ بحُجتِه. ويمكنُ أنه لم يفهمْ مقصدَ بلال بالقتّ والنّوى حتى يُجيبَ عنه، لأنه بدويٌ لا يعرفُ لحْنَ كلامِ الحضريين. والمقصودُ أنه لم يكن جاهلاً مقدارَ ما ذكرناه، ولا هو ببعيدٍ عنه. وأما قولُه: سمعتُ الناسُ برفعِ سينِ الناس فإنه رُفِعَ على الحكاية، أي سمعتُ قائلاً يقول: الناسُ ينتجعونَ، كما قال الآخر:

نام کتاب : نضرة الإغريض في نصرة القريض نویسنده : العلوي الحسيني، المظفر بن الفضل    جلد : 1  صفحه : 81
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست