responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نضرة الإغريض في نصرة القريض نویسنده : العلوي الحسيني، المظفر بن الفضل    جلد : 1  صفحه : 70
ويجبُ، أيها الذامُّ أن تعلمَ أنّ الشعرَ كلامٌ، وفي الكلام الجيِّدُ والرديءُ، وما يُكتسَب به الثوابُ، وما يُجتَلَبُ به العقابُ، وما تُبتاعُ به الجنان، وما تُشْتَرى به النيرانُ. فكيفَ يُطلَقُ الذّمُّ على الجميع، ويُؤْخَذ الرفيعُ بالوضيعِ، ويُلحِقُ بالشعرِ كلِّه كراهيةً تختصُّ ببعضِه. وقد قال عليهِ السّلام: (الشّعرُ كلامٌ، حسنُهُ كحَسَنِ الكلامِ، وقبيحُه كقبيحِ الكلام) .
واعْلَمْ أنّ الشُعراءَ بشَرٌ وفي البشر الصالِحُ والطالِحُ، والعاقِلُ والجاهلُ، والمحمودُ والمذموم. وليس من العقل والعدْلِ أن نجِدَ في رجلٍ خَلّةً مذمومةً فنَذُمَّ من أجلِها كلَّ من تسمّى باسمِه، وكلَّ منْ انتسبَ الى أصلهِ وجِذْمِه، وكلَّ داخلٍ في صناعتِه، وكلَّ معدودٍ من جماعتِه. وهل يَحسُنُ باللبيبِ العاقلِ أن يَرى كاتِباً لحّاناً، رديئاً خطُّه، مُخطِئاً شكلُه ونَقْطُه، فيَذُمَّ من أجلِه كلَّ كاتبٍ، ويُبْعِدَ لبُغضِه كلَّ ضابطٍ وحاسِب؟ هل يُعَدُّ فاعلُ ذلك في جملةٍ المكلّفين؟ كلاّ واللهِ ولا في زُمرةِ المحَصِّلين.
وكذلك كلُّ صِناعةٍ إذا برّز واحدٌ فيها وأجادَ، فما يستحقُّ جميعُ أهلِها المدْحَ، كما أنه إذا قصّر واحدٌ فيها وأخطأ لا يُلْحَقُ بكلّ أهلِها الذّمُّ، وإنما من العدلِ والإنصافِ، وشِيَمِ الكُرَماءِ الأشرافِ، أنْ يُعْطى كلُّ شيءٍ قِسطَه، ويوفَّى كلُّ ذي قسمٍ حقَّهُ، فيُلْحَقُ المدحُ بأربابِه والذمُّ بأصحابه، كما قال سبحانه وتعالى فيمن يستحقُّ المدحَ: (نِعْمَ العبدُ إنّهُ أوّابٌ) . وقال تعالى فيمن يستحقّ الذّمَّ: (عُتُلٍّ بعد ذلك زَنيم) ولا يفجَرُّ الإنسانُ مع هَواهُ، الى غايةٍ تهوي به في رَداه.
واعلَمْ أيُّها الذامُّ أنّ الشِّعرَ صِناعةٌ عزيزة شريفةٌ يخْلُدُ ذكرُها خُلودَ الدّهرِ، ويَبْقى فخرها بقاءَ الأبدِ. ومن لم يجْرِ في مَيْدانِ النّظْمِ، ولم يبرِّز في رِهانِ الحِذْقِ والفَهْمِ، ولم تَرُضْ قَريحتَهُ رياضةُ القَريض، ولم يدْعَكْ خاطرَهُ تنافُرُ القوافي دعْكَ الأديمِ، وتأبى عليه المعاني إباءَ الصّعْبِ الجَموحِ، وتعْتاصُ عليه الألفاظ العذبةُ الحلوةُ اعتياصَ البطيءِ الطليحِ، ويصعُبُ عليه ردُّ الشواردِ من مقاصدِه، ويمتنعُ عليه الخروجُ من النّمَطِ الموضوعِ والحدِّ المحدود الى غيرِه من التّفنُّنِ في الصّفاتِ والتشبيهاتِ، لم يعلمْ بحقائقِ الشِّعْرِ ودقائقِ المعاني، ولم يعرفْ هل يستحقُّ قائلُهُ المدحَ أو الذمَّ، اللهمّ إلا إن كان مُقلِّداً لا مُنتقِداً.
وأما صفةُ العربِ للديارِ والآثارِ، ووقوفُهم على الرسومِ والأطلالِ، وتشبيهُ النّساءِ بالظِّباءِ والآجالِ، الى غيرِ ذلك من صفاتِ المخارمِ والفِجاجِ، والتهويمِ والإدلاجِ، فإنهم في ذلك مَعْذورونَ غيرُ ملومينَ، لأنهمْ جَرَوْا فيه على سُنن السّلَفِ ورسمِ من تقدّم منهم. ولم يصِفوا وينْعَتوا ويشبّهوا ويمْدَحوا ويذمّوا إلا ما هو تِجاهَ أعينهِم لا يُعاينون غيرَهُ، ولا يُعانون سِواه، ولكلِّ قوْمٍ سُنّةٌ بها يَستنّونَ، ووتيرةٌ عليها يَحومون وإليها يَرْمون. فمن أضاعَ ذلك منهم كان خارِجاً عن مذهبِه، مخالِفاً لطبيعتِه، ساقِطاً من وراءِ حدّه.
كما أنّ المولَّدَ من الشُعراء إذا ترَكَ صفاتِ القدودِ القويمةِ والخدودِ الوسيمةِ والألحاظِ الرطبة، والألفاظ العذبة، والتشبيهِ بالوردِ والندِّ والكثيب، والغصنِ الرطيب وما أشبهَ ذلك، وتعاطى صفات الديار، والآثارِ والمذانبِ والآبارِ، والسانيةِ والغرْبِ، والرِّشاءِ والعِناج والكَرَبِ، وغير ذلك، كان خارجاً عن حالِه، مُخالِفاً لمَذْهَبِه ورجالِه، مُستَهْجَناً فيما يورِدُهُ من ذلك، متكلِّفاً لما يُلفِّقُهُ منه. ولكلّ قومٍ مذهبٌ يليقُ بهم ويُسْتَحْسَن منهم.
وأوّل مَنْ شرَع ذلك واستنّه للعربِ فاتبعوهُ، وفتَح لهم بابَهُ فاقتحموهُ ووَلَجوهُ، امرؤ القيس بن حُجْرٍ، فاستحسنَتِ الأعرابُ صفاتِه وتشبيهاتِه، وسلكوا سبيلَه، وتقبّلوا مذْهبَه وقِيلَهُ.

نام کتاب : نضرة الإغريض في نصرة القريض نویسنده : العلوي الحسيني، المظفر بن الفضل    جلد : 1  صفحه : 70
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست