سمعت سيدي الوالد يقول: أخبرني ثقة من أشراف وادي أشلف بالجزائر، أنه كان عنده فرس أنثى من الجياد، أراد الذهاب عليها إلى مكة المكرمة، فلما خرج من بيته ركبها والناس يشعيونه فعثرت، فضربها بسوط فتحركت وقفزت، ولما رجع تلقته الناس لاستقباله، وساروا إلى أن وصل إلى المكان الذي ضربها فيه فقفزت، فعجب الناس من ذلك. وعن عطاء بن رباح قال: "رأيت جابر بن عبد الله وصابر بن عمير الأنصاري يرميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر: كسلت؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو، إلاّ أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله وتعلم السباحة". وعن عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به والممد به"، وقال يزيد بن مسلمة بن عبد الملك:
عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر
وإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر
أي: أدبته حتى إذا نزلت عنه وألقيت عنانه في قربوس سرجه وقف مكانه إلى أن أعود إليه. والقربوس: - بفتح الراء - أحد حنوي السرج، والعنان: - بكسر العين - سير اللجام، والشكيمة: الحديدة في فم الفرس وفيها الفاس.
وينبغي أن لا يؤدبها ويدربها إلاّ عارف بما يحتاج إليه، ذو رفق، حاضر الذهن، ثابت في السرج، يركب بفخذيه مائلاً إلى يساره، متوسطاً في قبض العنان، يحثها بالتدريج بدون ضرب ولا همز عنيف، ويعودها رؤية الشيء الهائل، ووثوب السواقي، والحفر والجدر القصيرة، والنزول حضرا من الجبال الخالية عن الصخر الأملس، وأن تحنى يديها على الأرض إذا غمزها في إبطها.
وأحسن ما يكون التعليم في الصباح والمساء، وأن لا يقف مع الناس وهو راكبها، كيلا تعتاد الوقوف إذا رأت أحداً، ولا يركضها أول ركوبها ولا يجذبها باللجام فإن يعلمها الطموح واللوص، أي خروج اللسان وعضه، فإن حصل ذلك معه، يعالج بتبديل اللجام ويوقفها تدريجاً إذا أراد وقوفها.
حكي عن بعض الفرسان: كان إذا ركب الفرس بالسرج العربي يضع في ركابه تحت رجليه درهمين ثم يعدو وعند نزوله عنها يأخذهما من حيث وضعهما. ومنهم من يأخذ الحجر من الأرض والفرس في شدة العدو ويضرب فيه غريمه، وإذا وقع منه شيء تناوله بنفسه وهو راكب. ويعلمون بالكرة والصولجان على ظهورها، والصولجان: فارسي معرب، وهو عصا طويلة تنتهي بكف المستدير يضرب بها الكرم، وأول خليفة لعب بها هارون الرشيد. وينبغي أن لا يبدل اللجام الذي وافقها ولا يركبها جاهل بالركوب لئلا يسيء أخلاقها. ومن الأمثال المغربية (احفظني من برد الصيف وركب أبي طريف، أحفظك يوم السيف) والمراد بأبي طريف: الولد الصغير الذي لا يحسن الركوب.
الفصل الخامس في كيفية التضمير
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يضمر الخيل ليسابق عليها". وذكر ابن بنين: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتضمير خيله بالحشيش اليابس شيئاً بعد شيء، وطياً بعد طيّ. ويقول: ارووها من الماء واسقوها غدوة وعشياً، والزموها الجلال فإنها تلقي الماء عرقاً تحت الجلال، فتصفو ألوانها وتتسع جلودها". و"كان صلى الله عليه وسلم يأمر بأن تقاد كل يوم مرتين، ويؤخذ منها بالجري الشوط والشوطين". ومدة التضمير أربعون يوماً ومنتهاه ستون. وشرطه أن تكون الخيل حائزة الأوصاف المحمودة، سالمة من العيوب رباعية أو خماسية غير مهزولة ولا قادمة من سفر، ولا قريبة العهد من الولادة. وزمانه فصل الربيع أو الخريف. وكيفيته أن تجعل في محل خال واسع مفروش بالرمل نظيف دائماً، مجللة بخمسة أو ستة لتعرق تحتها ويذهب شحمها، لئلا تتنفس تنفساً شديداً إذا جرت ويسمونها: (الحناذ) ، وإذا تم تعريقها وذهب شحمها، أجلتها كل يوم واحداً على التدريج، فإن لم تعرق تحتها يقال كبت، وتعلف في أول التضمير الشعير والتبن المغربل نحو أسبوع، ثم يزداد لها الشعير وينقص التبن قليلاً قليلاً، إلى أن يصير علفها الشعير لا غير، وتمنع من شرب الحليب والمديد أي دقيق الشعير الممزوج بالماء. قال النابغة:
فلما أبى أن ينقص الفود لحمه ... نزعنا المذيذ والمديد ليضمرا