ومن أعتاض منك إذا افترقنا ... وكلّ النّاس زورٌ ما خلاكا
يقول: إذا فارقتك لم أجد منك عوضاً يقوم مقامك، فجميع الناس غيرك قول بلا فعل، ووعد بلا إنجاز، ودعوى بلا معنى. ومثله قول عمران بن حطان، في مرثية مرداس:
أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه ... ما النّاس بعدك يا مرداس بالنّاس
وما أنا غير سهمٍ في هواءٍ ... يعود ولم يجد فيه امتساكا
يقول: إني وإن رحلت عنك، فإني لا ألبث حتى أعود راجعاً إليك كالسهم إذا رمي في الهواء لا يقف، بل ينعكس فيعود منخفضاً وهذا معنى حسن في سرعة السير والعود، والأصل فيه قول الآخر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئاً ومن قعر الطّوىّ رماني
حييّاً من إلهي أن يراني ... وقد فارقت دارك واصطفاكا
حيياً نصب على الحال. أي: أرجع وأنا أستحي من إلهي أن يراني فارقت دارك، وأنت صفوته. أي: إذا كان الله تعالى قد اصطفاك من بين خلقه استحييت منه أن أفارقك وأوثر عليك غيرك، وهو قد اختارك واصطفاك. أي: وهو فعل ماض.
وروى ابن جني رحمه الله اصطفاكا بكسر الطاء وهو مصدر اصطفى وأصله المد، غير أنه قصر ضرورة. والأول أولى وأحسن في المعنى. ويجوز حيي بالرفع. أي أنا حيي من الله تعالى أن أفارقك، وقد اصطفاك ووكل إليك أمر العباد وأحوال البلاد.
هذا آخر ما سار من شعر أبي الطيب المتنبي رحمه الله تعالى.
وخرج من عند عضد الدولة، حتى إذا قرب من بغداد وخرج من دير العاقول خرج عليه فرسان ورجال من أسد وشيبان فقتل بين الصافية ودير العاقول وذلك يوم الاثنين لست ليال بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاث مئة وقتل معه عبده وقتل ابنه بعده. زيادات من شعر المتنبي
نعني بالزيادات الأبيات والقطع التي لم تثبت في النسخ التي بين أيدينا لهذا الشرح ولكن اطمأنت نفوسنا من نسبتها إلى المتنبي.
ومما لا ريب فيه أن المتنبي أسقط من ديوانه بعض القطع التي قالها في صباه أو ارتجلها ولم يجدها، أو استحى مما فيها، كما أسقط أبياتاً من قصائده حين إعادة النظر في ديوانه، وكذلك سها النساخ عن قطعة أو بيت، فمن أجل هذا وقع الخلاف بين النسخ في أبيات قليلة، ولسبب من ذلك يجد الباحث في بعض القطع حذفاً وإثباتاً وتقديماً وتأخيراً، أشرنا إليه في دراستنا ونبهنا عليه في موضعه من النص.
وفي النسخة التي اعتمد عليها شارحنا، قطع وأبيات مثبتة في متن الديوان ومشروحة. اعتبرها غيره من الشراح من زيادات الديوان، وذلك مثل قول أبي الطيب:
فديت بماذا يسرّ الرسول ... وأنت الصحيح بذا لا العليل
عواقب هذا تسوء العدو ... وتثبت فيك وهذا يزول
فقد ذكر البيتان في زيادات الديوان الذي حققه الدكتور عبد الوهاب عزام ولم يذكرا في التبيان، وإن ذكرهما الواحدي في صلب الديوان واتفق مع شارحنا في ذلك.
وليرجع الباحث إلى القطعتين رقمي 241 و242 المثبتين في آخر السيفيات، ولينظر هوامشهما ليقف على مدى الخلاف في إثباتهما عند سائر الشراح.
ولقد أحببت أن أتتبع زيادات شعر المتنبي فأثبتها لحقاً لهذا الشرح، ولكن رأيت أن جمع الزيادات كلها يطول، ويدخلنا في نقد طويل، نزيف به بعض القصائد والقطع التي نسبت إلى الشاعر. وقد سبقنا العالم الثبت عبد العزيز الميمني الراجكوتي ونشرها في كتاب على حدة زيادات ديوان شعر المتنبي فكفانا مئونة هذا الجهد وسأكتقي بالزيادات التالية التي اطمأنت نفسي إليها مع ذكر مصادرها: أول شعر نظمه وهو صبي يتغزل:
بأبي من وددته فافترقنا ... وقضى الله بعد ذاك اجتماعا
فاقترفنا جولاً فلمّا التقينا ... كان تسليمه عليّ وداعا
وقال يمدح محمد بن عبيد الله العلوي الكوفي:
يا ديار العباهر الأتراب ... أين أهل الخيام والأطناب؟
قذفت بالبدور عنك ظهور ... البدن قذف القسيّ بالنّشاب
غادة تجعل الخليّ شجيّا ... وتصيب المحبّ بالأوصاب
صدّها، يذهل العقول، بالوص ... ل تردّ العقول بعد ذهاب
يا شبابي ترفّقن بشبابي ... نمت عن ليتي وبتّ لما بي
تالفاً بين ميتة وحياةٍ ... واقفاً بين رحمةً وعذاب
خذ إلهي من الملاح لجسمٍ ... حلن ما بينه وبين الثّياب