مرتدٍ: أي متقلد. ومخبرتي: بخبرتي: مشتمل أي ملتحفٌ وروى متشحٌ أي متزين. وقوله: بالظلام مشتمل أي ملتحف. وقوله: بصارمي مرتد في موضع الحال ومجتزىء، أي قطعته وأنا كذلك، وكذلك ما بعده إلى آخر البيت، ولو نصبته على الحال لجاز، ولكنه أضمر المبتدأ وجعل قوله: مرتد خبره والجملة في موضوع النصب على الحال.
يقول واصفاً نفسه بجرأة القلب، والهداية لمعرفة المفاوز: ورب مهمة سرت فيها ليلاً وقطعتها وحدي راجلاً لا يصحبني أحد غير سيفي، ولا دليل يدلني إلا معرفتي وخبرتي، وقد اشتملت الظلام وأقمته مقام اللحاف.
إذا صديقٌ نكرت جانبه ... لم تعيني في فراقه الحيل
نكرت وأنكرت بمعنىً واحد. وقوله: لم تعيني أي لم يتعذر علي. والحيل رفع لأنه فاعل لم تعيني.
يقول: إذا رأيت من صديقي ما كرهت لم يصعب علي الاحتيال في فراقه. أي أني أفارقه وأسير عنه. ومثله لجرير:
سريعٌ إذا لم أرض داري خياليا
في سعة الخافقين مضطربٌ ... وفي بلادٍ من أختها بدل
الخافقان: جانبا الأرض بين المشرق والمغرب؛ سميا بذلك لوجود الخلق بينهما، ذهابهم ومجيئهم والمضطرب: يجوز أن يكون بمعنى الاضطراب، وأن يكون اسماً لمكان الاضطراب.
يقول: إذا ضاق بي مكان رحلت عنه إلى غيره؛ لأن في سعة الأرض مكانٌ غيره، ويقوم بدل مكان البلد الأول والهاء في أختها للبلد وروى أمثاله من الأشعار كثيرة منها:
ولله أرضٌ ذات طوالٍ عريضةٌ ... إذا ذل منها جانبٌ عز جانب
ومثله قول البحتري:
شرق وغرب تجد من معرضٍ ... فالأرض من تربة والناس من رجل
ومثله:
وفي الناس إن رثت حبالك واصلٌ ... وفي الأرض عن دار القلى متحول
وهذا مأخوذ من قوله تعالى: " وأرض الله واسعة " وقوله: " ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها ".
وفي اعتماد الأمير بدر بن عما ... رٍ عن الشغل بالورى شغل
الاعتماد: يجوز أن يكون من قولك: اعتمدت فلاناً إذا استعنت به، كأنك جعلته عماداً لك. ويجوز: افتعالاً من عمدت الشيء، إذا قصدته.
يقول: إن اعتمادي بدراً أشغلني عن كل أحد، فلا أبالي بصديق إذا تغير عني وتقديره: في اعتماد الأمير بدر بن عمار شغلٌ لي شغلني عن الورى.
أصبح مالاً كماله لذوي ال ... حاجة لا يبتدي ولا يسل
يقول: أصبح مالا معداً لذوي الحاجة يتناولونه فهو للمحتاجين، كماله له، فكما أنه إذا أراد ماله لم يحتج إلى ابتداء من معط، ولا إلى مسألة، فكذلك المحتاجون يأخذون ويتصرفون فيه متى شاءوا فهو لا يبتدىء بهم بالعطاء، لأنه لا يحزن المال دونهم ولا يسأل، لأنه لا يحتاج إلى ذلك.
وقيل: أراد أنه أصبح مالاً كماله. على معنى: كما أن ماله لا يستأذن الواردون في أخذه، فلا يكون منه ابتداء بالدفع ولا سؤال من الوارد، فكذلك نفسه مبذولة لهم.
هان على قلبه الزمان فما ... يبين فيه غمٌّ ولا جذل
يكاد من طاعة الحمام له ... يقتل من ما دنا له أجل
هان: أي سهل، من قولهم: هذا أمر هين.
يقول: إنه يحتقر الزمان، فلا يحزن لإدباره، ولا يفرح بإقباله. بل غرضه فعل الجميل، لاقتناء الثناء الجزيل.
وقوله: طاعة الحمام له. الهاء في: له الأولى للمدوح، وفي له الثانية: ترجع إلى من.
يقول: إن الموت يطيعه حتى أنه لفرط طاعته يقرب أن يقتل من لم يحن أجله.
يكاد من صحة العزيمة، ما ... يفعل قبل الفعال ينفعل
يقول: إنه صحيح العزم، فمن صحة عزمه إذا هم بأمر قارب أن يكون ذلك الفعل، قبل أن يفعله.
تعرف في عينه حقائقه ... كأنه بالذكاء مكتحل
يقول: إنك إذا نظرت إليه تعرف حقيقته المختصة به في عينه؛ لظهور أثرها عليه، فكأنه قد اكتحل بالذكاء والفطنة، وهذا من قوله تعالى: " سيماهم في وجوههم " وفي المثل: إن الجواد عينه فراره ويجوز أن تكون العين بمعنى النفس. ويجوز أن تكون العين بمعنى الرؤية.
أشفق عند اتقاد فكرته ... عليه منها أخاف يشتعل
الهاء في عليه: للممدوح وفي منها للفكرة.
يقول: أخاف من حدة فكرته، أن يشتعل من حرارتها، لأن الذكي والفطن يوصف بأنه متقد القلب.
أغر، أعداؤه إذا سلموا ... بالهرب استكرثوا الذي فعلوا
روى استكبروا واستكثروا.