نام کتاب : مباهج الفكر ومناهج العبر نویسنده : الوطواط جلد : 1 صفحه : 118
ولما كمل غرضنا والحمد لله تعالى من هذا الباب رأينا من الصواب أن نختمه بما تصبو إليه النفوس من الإتحاف، وتميل إليه من التشبيهات والأوصاف المنظمة التعبير عن آلات الصيد وفتكات الخيل، والكيد، وهي وإن كانت غير متعلقة بالغرض المقصود في هذا الفن، وإنها مما تتشوق إليه الخواطر، والخواطر أبدا تابعة لما خطر لها من هواها وعن، فمن ذلك ما أختير من رسالة كتب بها أبو إسحاق الصابي إلى محمد بن العباس بن فسابخش في صفة الجلاهق، وهي قوس البندق: أقبلت رفقة الرماة قد برزت قبل الذرور للشروق، وشمرت عن الأذرع، والسوق متقلدين خرائط شاكلت السيوف بحمائلها، ونياطاتها وناسبتها في آثارها ونكاباتها تحمل من البندق الملموم كما هو في الصحة والاستدارة كاللؤلؤ المنظوم، كأنما خرط بالجهر فجاء كنبات الفهر، قد اختير طينه، وملك عجينه، فهو كالكافور المصاعد في الملمس والمنظر، وكالعنبر الاذخر في المشم والمخبر، مأخوذ من خير مواطنه مجلوب من أطيب معادنه كافل حامليه محقق لآمال آمليه ضامن بحمام الحمام متناول لها من أبعد مرام يعرج إليها وهو سم ناقع ويهبط بها وهي رزق نافع.
وبأيديهم قسي مكسوة بأغشية السندس مشتملة منها بأفخر ملبس، مثل الكماة في جواشنها ودروعها، والجياد في جلالها وقطوعها، حتى إذا جردت من تلك المطارفة، وانتضيت من تلك الملاحفة، رأيت منها قدودا مخطفة رشيقة وألوانا معجبة أنيقة صلبة المكاسر، والمعاجم نجية المثابت والمناجم، خطية الأسماء والمناسب سمهرية الأعراق والمناصب، تركبت من شظايا الرماح الداعسة، وقرون الاوعال الناخسة فحازت الشرف من طرفيها، واحتوت عليه بكلتا يديها، قد تحنت المشيخة النساك وصالت صيال الفتية الفتاك، واستبدلت من قدميها في عز الفوارس، بحديثها من أنفس الملابس، وانتقلت من جدها في طراد الفارات إلى هزلها في طرد المستهرات، ظواهرها صفر وارسة، ودواخلها سود دامسة كأن شمس أصيل قد طلعت على متونها، أو جنح ليل اعتكر في بطونها أو زعفرانا جرى فوق مناكبها، أو غالية جمدت على ترائبها، إذ هي قضبان فضة أذهب شطرها وأحرق شطر، أو حبات رمل اعتنق السواد منها والصفر.
وجاء منها في وصف وتر: فلما توسطوا تلك الروضة وانتشروا في الغيطة، وثبت للرمي أقدامهم، وشخصت للطير أبصارهم، وتروها بكل وتر فوق سهمه منه، وهو مفارق للسهم وخارج عنه، مضاعف عليها من وترين كأنه شخص ذو جسدين، أو عناق ضم ضجيعهن في وسطه عين كشجرة كيس مختوم، أو سرة بطن خميص مهضوم محولة عن المحاذاة مزورة عن الموازاة، تروع قلوب الطير بالانباض، وتصيب منهم مواقع الأغراض، هذا ما وقع عليه الاختيار من هذه الرسالة فإن الصابي أتى من بعد هذا الكلام ينعت ما صيد ومن صاد فأطال الرشأ على الواردين، والقصاد، ولضياء الدين بن الأثير الجزري رسالة في المعنى الذي نحاه أبو إسحاق، وأين يفوز المتأخر من المتقدم باللحاق لأن الأول اجتنى ثمر الأدب، وكان حظ المتأخر منه الكلأ وكم عسى يجهد نفسه من جاء في الزمن الأخير فشكلا فلم يبق إلا أن يحذو على مثاله إن اعين فاستطاع، وينسج عن منواله إن ترك الفكر عصيانه، وأطاع، جاء من هذه الرسالة في وصف القسي وذكر الرماة: إذا تناولها بأيديهم قلت هذه أهلة طالعة في أكف أقمار، وإذا مثل غناؤها وغناؤهم قلت منايا مسبوقة في أيدي أقدار، وتلك قسي وضعت للعب لا للنضال، ولردى الأطيار لا لردى الرجال وإذا نعتها ناعت قال أنها جمعت من بين وصف اللين والصلابة، ووضعت من نوعين غريبين فحازت معنى الغرابة، فهي مركبة من حيوان ونبات، مؤلفة منهما بعد الشتات، فهذا من سكان البحر وسواحله وهذا من سكان البر ومجاهله، ومن صفاتها أنها لا تتمكن من البطش إلا حين تشد، ولا تنطلق في شأنها إلا حين تعطف وترد، ولها بنات احكم تصويرها، وصحح تدويرها، فهي في لونها صندلية الاهاب، وكأنما صنعت لقوتها من حجر لا من تراب، فإذا حذفها نحو الأطيار تقل، وتصعد من الأرض من جبال فيها من برد فلا ترى حينئذ إلا قتيلا بالمثقل الذي لا يجب في مثله فهي كأقله من تلك الأطيار يقبض نفوسها، منزلة لها من السماء على أم رؤوسها ولابن المعتز يصفها على قافية منهوكة أبي نؤاس الطردية:
لا صيد إلا بوتر ... أصغر مجدول ممر
إن مسه الرامي نخر ... ذي مقلة تبكي مدر
نام کتاب : مباهج الفكر ومناهج العبر نویسنده : الوطواط جلد : 1 صفحه : 118